لماذا لا يتزوج المسيحي من مسلمة؟
الصفحة رقم 15
الفيلم التركي «اسأل قلبك» يطرح السؤال الصعب في مهرجان القاهرة :
لماذا لا يتزوج المسيحي من مسلمة؟
هل يستطيع المسيحي أن يتزوج من مسلمة؟
هذا هو السؤال الأصعب في تاريخ المجتمعات الشرقية، وعلي الرغم من صعوبة السؤال إلا أن أفلاماً قليلة جداً تعرضت لهذه الاشكالية، كان اخرها "حسن ومرقص "، ومجرد التطرق لهذا التساؤل يصاحبه الكثير من الجدل والاحتجاجات وربما تتدخل العناصر المتطرفة لتضع كلمة النهاية.........
وهذا هو السؤال الرئيسي الذي يطرحه فيلم "إسأل قلبك " الذي عرض بالمسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في إطار يجمع بين الاسطورة بالواقع.. التاريخ بالحاضر.. الميلودراما بالرومانسية، الفيلم سيناريو وإخراج "يوسف كورشنلي" وبطولة " توبا باي كستون " الشهيرة في مصر بمسلسل "سنوات الضياع " و"كنان إيش"........
الزمان: الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر، المكان: منطقة ريفية قريبة من البحر الاسود بتركيا، وفي خلفيات لم يضعها الفيلم تبدو الأحداث في عهد السلطان عبدالحميد الثاني، اخر السلاطين الفعليين في الدولة العثمانية، حيث تقترب هذه الدولة القوية من الانهيار، فقد ضعفت أركانها، وتولاها ملوك ضعاف، وتغلغل الفساد والتطرف الديني بداخلها، في وقت اشتدت فيه قوي امبراطوريات أخري في انجلترا وفرنسا وروسيا، قبلت الدولة العثمانية بإقامة دولة للأرمن في مركزها "الولايات الستة شرق الاناضول "، ومن بعدها حدثت مذابح الارمن التي تسببت في تدخل الروس والانجليز بحروب مباشرة وغير مباشرة مع الدولة العثمانية، أدت إلي إنهاكها، في هذا العهد بدأت الامبراطورية العثمانية في الانهيار، سواء من الداخل أو الخارج، وعانت من انهيارات عسكرية وثقافية واجتماعية، وهي الفترة التي قال عنها أمير الشعراء أحمد شوقي: ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح.. الهند وآلهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحاح.. والشام تسأل والعراق وفارس أمحا من الأرض الخلافة ماح؟
هذه الخلفية التاريخية كانت مهمة قبل الدخول في موضوع الفيلم، وفي إيقاع موسيقي استمر معنا طوال الاحداث، نري كيف يعيش أهل القرية من البسطاء، حيث تشدو نساؤهم ورجالهم بأغان شعبية تشبه ألحانها الصعيد في مصر، يرقصون في الافراح ويلعبون بالعصا في شكل بدائي لرياضة "البيسبول " الامريكية الشهيرة، معظم السكان من المسلمين، وهنا نري قصة حب بين "اسما " و"مصطفي "، يسرقان لحظات في الليل يتبادلا فيها القبلات، السيناريو اهتم أكثر بعائلة "مصطفي " الجد مصاب بمرض الزهايمر لكنه يتذكر في بعض الاحيان بطولاته وأصدقاءه من القرية في الحرب ضد الروس، والأخت متزوجة ولها إبن لديه خصلات بيضاء علي شعره رغم صغر عمره، والأب والام يعيشان في علاقة متوازنة، إلي هنا يبدو كل شيء مثالي، ولا مانع من زواج "مصطفي " و"إسما "، فالعائلتان من مستوي إجتماعي واحد، ومعظم أفرادهما متدينون يذهبون الي المسجد لصلاة الفجر، كما أن جد "مصطفي " ذهب من قبل الي الحج ويلقبونه دائما بالحاج، بدايات الفيلم كانت جميلة تأملت فيها الكاميرا المنطقة الريفية وإيقاع الحياة فيها، مع وجبة موسيقية دسمة تخاطب الوجدان، وتؤكد شعورك بالمكان، إلا أن العقدة الدرامية شديدة الصعوبة، فمصطفي وعائلته ليسوا مسلمين كما يتصور أهل القرية، وعدد اخر من العائلات أيضا، يعيشون في مجتمع سري ولا يبيحون بكونهم مسيحيين "أرثوذكس "، لأنهم لا يريدون تغيير دينهم، وفي نفس الوقت لا يمتلكون مالا للجزية، فتوارثوا دينهم المسيحي بشكل سري وعبر فترات الحكم العثماني لمئات السنوات، والنتيجة مزيج عجيب بين التظاهر بدين اخر غير دينك، فالاحداث تكشف لك الكثير من العجائب منها أن إمام المسجد "مسيحي " مختبئ، ولما سأله مصطفي لماذا أصبحت إمام مسجد؟ قال : كنت أتظاهر بالصلاة يوميا حتي جعلوني إماما لهم......!
وبدأ يظهر في الاحداث منافسا لمصطفي علي قلب "أسما " ليتكون مثلث الحب الشهير، ويزداد الامر تعقيدا بعد كشف مسيحيته، ويتحول الفيلم في النصف الثاني الي ميلودراما صاخبة يمتزج فيها الواقع بالاسطورة، وينفلت الايقاع من المخرج، ويتحول الموضوع من فيلم جميل الي مسلسل ممل يفرض البكاء علي الجمهور، لدرجة تجعلك لا تصدق الاحداث وتبدأ في الضحك علي مايحدث، أما السيناريو فقد حرق النهاية في منتصف الاحداث، حينما حكت إحدي الشخصيات عن فتاة مسلمة وقعت في قصة حب مع شاب مسيحي وربما العكس، ووقف أمامهما اهل القرية، فقررت حرق نفسها حتي تتحول الي دخان يمتزج بالسحاب كي تمطر عليه حبا، ويحرق هو نفسه ليلتقي دخانهما في السماء، وتلقي خطبة في القرية قائلة لهم، إنهم حرموها من السعادة ودعت الله أن يحرمهم من السعادة مثلما فعلوا بها ، وهذه الحكاية الاسطورية تحولت إلي نهاية حقيقية للفيلم، حيث أحرقت البطلة نفسها، من أجمل مشاهد الفيلم حينما سألت الجدة زوجها، أين تريد أن تدفن؟
فيشعر بالحيرة ولا يجيبها لأنه لا يعرف هل هو مسلم أم مسيحي؟
فقد اختلطت الامور والزمن مزج الاشياء بعضها البعض، حتي زوج أخت مصطفي يقرر ان يستمر مسلما ولا يعود للمسيحية، لم يشفع للبعض دفاع مصطفي عن أسما حينما حاول أحد المجرمين التحرش بها، ولم يشفع لهم سنوات عاشوا متسامحين وتاريخ مشترك من النضال ضد الروس والارمن، ومن الشخصيات الثانوية في الفيلم "ماريا " الراهبة العجوز التي يحترمها أهل القرية، وتمثل رمزا للتسامح، لكنها في النهاية لا مبرر درامي لوجودها، والسبب أن أهل القرية كانوا يعاملونها بود واحترام كمسيحية، وهذا ينسف من الاساس الدراما التي بنيت عليها الاحداث، فما هو مبرر العائلات المسيحية في عدم إعلان ديانتهم الحقيقية، والحل الذي وضعه المخرج في النهاية أسطوري علي طريقة كل قصص الحب الاسطورية التي لم تكتمل، وهرب من الواقع، ربما خوفا من تفجير المجتمع بنهاية جريئة، ورغم أن الفيلم به الكثير من الجرأة، إلا أن السيناريو لم يجرؤ علي طرح علاقة جنسية كاملة بين "اسما " و"مصطفي" واكتفي بتبادل القبلات والأحضان......
أعود الي بداية المقال.. هل يقبل المجتمع أن يتزوج مسيحي من مسلمة أم عليهم أن يحرقوا أنفسهم؟
14/12/2010, 10:42 pm
