النوع : نوع المتصفح: : الجنسية : المهنة : الهوايات : تاريخ التسجيل : 11/08/2009العمر : 34المشاركات : 6103معدل تقييم المستوى : 43بمعدل : 13048تاريخ الميلاد : 19/01/1990الكنيسة او الابراشية : : الانبا تكلا بالزقازيق
موضوع: ربيع الامل 8/4/2010, 3:42 pm
ربيع الأمل
كان شاباً يقترب من الثلاثين من عمره ، وجهه يميل إلى الوسامة مع صرامة وملامح عملية وجدية ، كان منهمكاً في عمله في مكتبه خلف جهاز الكمبيوتر ويقطع عمله من فترة لأخرى رنين الهاتف من موظف أو عميل أو شريك ، وأخبار عن ارتفاع الأسهم وهبوطها ووصول ناقلات النفط وارتفاع الأسعار وأمور كثيرة مما تملأ حياة رجال الأعمال ، وكان بين فترة وأخرى يبتسم أو يعبس حسب التقرير وحسب البورصة ، حتى حان موعد الغداء فقرر الانصراف إلا أن رنين الهاتف المحمول لم يرحمه ، فأشغاله كثيرة وشركاته منتشرة في عدد من الولايات وهو أصبح اسم لامعاً في السوق فقد استطاع خلال سنوات قليلة تجميع ثروة كبيرة وافتتاح عدد من الشركات في مختلف المجالات ، كان يسكن في منزل كبير أشبه بقصر ، ويعمل لديه عدد من الخدم ، وباختصار كانت حياته مثل حياة كثير من الأثرياء ورجال الأعمال المنتشرين في مختلف البلدان
وصل توماس إلى المنزل واستقبلته خادمة عجوز فسألها :
-هل أختي سالي هنا ؟
-- كلا يا سيدي فهي في زيارة لصديقتها وستعود بعد قليل
- حسناً ليكن الغداء جاهزاً بعد ربع ساعة ..
دخل غرفته ووضع حقيبته السوداء جانباً وعدل من ربطة عنقه قليلاً لكنه لم يغير ملابسه فقد كان عليه العودة إلى العمل ولا يجب أن يضيع وقتاً
- توماس هل عدت ؟
-- نعم سالي أنا قادم ....
كانت سالي فتاة في الرابعة عشر من عمرها تبدو على وجهها طيبة ومسحة طفولية بريئة ، كانت تحب شقيقها الأكبر توماس قد كان بمثابة أب لها بعد وفاة والديها منذ عدة سنوات في حادث سيارة ، وفي نفس الوقت كانت تختلف عنه بأمور كثيرة فقد كانت سالي فتاة مؤمنة تحب الرب كثيراً وتواظب على حضور كل قداسات الآحاد والأعياد والمناسبات الدينية ، وكانت تحب الفقراء وتشعر بإشفاق عليهم وتحاول مساعدتهم بقدر ما تستطيع ، أما شقيقها توماس فقد كان لديه قلب قاس وصلب لم يكن يهتم بالذهاب إلى الكنيسة بل كان عمله وثروته وشركاته تشغله عن كل شيء ، كان يحب العظمة والقوة وهمسات الإعجاب حوله عندما يدخل إلى الحفلات والمناسبات ، همسات إعجاب وغيرة وحسد من شاب تمكن خلال سنوات قليلة أن يجمع ثروة كبيرة ويلمع اسمه بين أسماء رجال الأعمال الكبار ، كان يختلف عن أخته بكثير من الأمور إلا انه كان يحبها ويسعى دوماً لسعادتها ...
جلس على طاولة الغداء وانهمك في طعامه في عجلة ونهم بعد يوم طويل من العمل ، وكانت أخته جالسة بقربه تصلي قبل أن تتناول طعامها ، فرمقها باستخفاف وعاد لينهمك في الطعام ...
- توماس هل أستطيع أن أطلب منك شيئاً ؟
-- بكل تأكيد ماذا تريدين يا سالي .. ثياب .. مجوهرات .. نزهة في مكان ما ؟ ... أي شيء تريدين فاطلبي ما تشائين ...
- كلا .. إن طلب يختلف عن هذه الأمور ، فقد كنت اليوم مع صديقتي في اجتماع عقدته الكنيسة لمساعدة عدد من العائلات المحتاجة ، ظلمهم قانون التأمينات ويحتاجون لمساعدة عاجلة فهل نستطيع أن نقدم لهم مبلغ من المال ؟ .
اختفت الابتسامة عن وجه توماس ونظر لها بغضب وقال : اسمعي يا سالي أنا لست مسؤولاً عن أولئك الفقراء الأغبياء... لست مسؤولاً عنهم ، إن ماتوا من الجوع أو سكنوا في الغابة فهذا لا يهمني ، وأنا لم أجد ثروتي في الشارع لأقدمها لمجموعة من الناس لا يجيدون سوى الشكوى وطلب العون ، فأموالي تعبت بها وهي من حقي أنا وحدي ، ثم لن أسمح لك بالذهاب إلى الكنيسة مرة أخرى إذا كانت تعلمكِ أن تبذري أموال أخيكِ هنا وهناك وتعطيها لأناس لا نعرفهم ولسنا مسؤولين عنهم ....
- لكن يا توماس إنهم فقراء فعلاً وظروفهم في غاية الصعوبة ، والمساعدات لا تكفي فبعضهم مريض ويحتاج لدواء مرتفع الثمن ، والمطلوب بضعة مئات من الدولارت لمساعدتهم ، وأنت والفضل للرب غني وتملك ثروة كبيرة فلن تؤثر عليك بضعة مئات من دولارات ....
-- اسمعي يا سالي أنا لن أدفع دولار واحد لأي أحد ، وإن سمعت انك دفعت أي مبلغ لأي شخص فسأحرمك من المصروف وسأعاقبك بقسوة ، فأموالي ليست للتبذير والصرف على أناس لست مسؤول عنهم ...
سكتت سالي وتركت مقعدها وقامت والدموع في عينيها دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها ...
- كم أنا أحمق... لقد تضايقت مني .. إن تلك الفتاة حساسة أكثر من اللازم ، من الصعب أن تعيش في عالم مثل عالمنا ..
وقطع حديثه رنين الهاتف فنهض واستمع إلى أخبار عن صفقات وملايين ومزيد من الثروة ....
مرت أيام وقد تناسى توماس موضوع أخته سالي التي كانت تجلس صامتة وهي تسمعه يتحدث عن ارتفاع الأسهم وسعر النفط في الأسواق ، ووصول البواخر المحملة بالبضائع ، كان يتحدث بحماس ويبالغ في انفعالاته حين يحسب كيف سيجني من صفقة للنفط ملايين من الدولارات ،و كان يهتف : أنا عبقري.. أنا كبير... أنا عملاق السوق.. أموالي تتكاثر وتنمو كل يوم ، وعالم المجد ينتظرني ، افرحي يا أختاه فشقيقك الأكبر سيصبح عما قريب من أكبر تجار الولايات المتحدة ...
لكن الأمور لم تجري على ما يرام ، وبدأت الغيوم السوداء تتجمع في الأفق بانتظار عاصفة ستغير أمور كثيرة ، فخلال يوم واحد تراجعت أسعار الأسهم في شركات توماس وأخذت الخسارات تتوالى وأصبح مضطراً ليبيع كثير من الأسهم بأقل من أسعارها الحقيقية حتى يحافظ على شركاته ، وما هي إلا أيام حتى تغيرت أمور كثيرة وتعرضت شركات توماس لخسارات كبرى ، وبدا واضحاً أن أيادي كثيرة وقوى تعمل ضده ، فاضطر أخيراً إلى رهن شركاته ومنزله ليدخل ويغامر في دخول صفقة تدر الملايين كما قيل له ، وبالفعل أخذ القروض ووقع عقود الرهن على أمل الفوز بالملايين وتعويض الخسائر ، لكن توماس أخذ يشعر أنه يصغر ويصغر أكثر فأكثر ...
حتى جاء ذلك اليوم الذي لن ينساه توماس مدى حياته ، فقد عاد إلى منزله قرابة المساء وطلب من الخدم إعداد عشاء كبير يليق بضيوف سيأتون في المساء ودخل مكتبه منهمكاً في حساباته فقد كان ينتظر نتيجة صفقاته وينتظر شركاء له اضطر لمشاركتهم على أمل أن يساعدوه ، فهم أسماء كبيرة في السوق ومعروفون ولهم نفوذ ، وقرابة التاسعة مساءاً كان ثلاثة رجال يرتدون ملابس فاخرة ويدخنون السيجار وبنوع من الكبرياء العجيب دخلوا المنزل ، وجلسوا في مقاعد مريحة أمام توماس الذي أخذ ينظر إليهم بلهفة بعد أن رد على تحيتهم الجافة التي ألقوها ...
- ها ... ماذا حصل أيها السادة .... ما الأخبار ..
-- للأسف يا مستر توماس يؤسفني أن أخبرك أن الأخبار ليست على ما يرام فقد غرقت ناقلة النفط في إعصار في المحيط ، وغرقت حمولتها بالكامل ولم نستطع إنقاذها ...
- ولكن يا مستر كريستوف .....إن الناقلة تساوي ملايين كثيرة وأنت تعرف ما الثمن الذي دفعته لشرائها ...
-- اسمع مستر توماس لم يكن بإمكاننا فعل شيء ، فالإعصار كان قوياً والناقلة قديمة وأنت تعرف حالتها ، ثم لا تلمنا فأنت تعرف أننا أيضاً قد خسرنا فنحن شركاء لك ..
- ها ... إذاً ... إذاً ضاع كل شيء ملاييني ضاعت ...
- لم انتهي بعد .. فصفقة الخضار واللحوم التي نستوردها أيضاً تم فضها لأن أسعارنا مرتفعة وأسعار المواد الغذائية انخفضت وقد قمنا بالانتظار لفترة معينة لكن الأسعار انخفضت أكثر ورفض المصدر إعادتها إضافة إلى ذلك الرسوم الجديدة على البضائع والتي تم فرضها ...
-- لكنها تساوي الملايين ..... الملايين يا مستر كريستوف ... الملايين يا مستر إدوارد ... الملايين يا مستر أوليفر .. إنها تساوي حياتي .. ملاييني .. ثروتي .. كيف حصل هذا ....
- أفهم مشاعرك يا مستر توماس لكنك ما تزال شاباً وعليك الاستفادة من خبراتنا فنحن أكثر خبرة منك ونعلم جيدا ًمعنى الخسارة والربح ، وأنت خسرت هذه المرة ولكن ما يزال الطريق أمامك طويلاً وبإمكانك البدء من جديد ...
- لا يمكن .. لا إنها مؤامرة .. وانتم المسؤولون عنها .. وعليكم مساعدتي أنتم الكبار وأنا الآن أصبحت صغيراً فساعدوني أرجوكم بضعة ملايين كي تنقذني ...
- آسف يا مستر توماس فلدينا مشروعات أخرى ونحتاج للأموال لنعوض خسارتنا ، ثم أنت وقعت الآن وفي عالم المال والثروة الكبير لا يساعد الصغير لا بل لا يراه حتى ، إن الكبير في عالمنا يأكل و يبتلع الصغير .... إلى اللقاء مستر توماس .
مرت لحظات لم يري خلالها توماس ما يحصل فقد أصبح رأسه مسرح يشهد أعنف المسرحيات ... كلمات.. عبارات .. أرقام .. ذكريات .. مزيج غريب يضرب رأسه في صداع رهيب ، ولم يجد نفسه إلا غارقاً في بكاء عنيف وأخذ يتذكر حياته ويصرخ : لماذا .. لماذا ... لم يجرؤ أحد على الاقتراب من توماس حتى أخته سالي فضلت البقاء بعيدة فلم يكن أحد قد رآه في تلك الحالة من قبل ..
لم يدري توماس كم مر من الوقت حتى استيقظ ونور الصباح يملئ غرفته ، وصوت خادمته تقول هذه برقية مستعجلة ، وكما توقع كان إشعار من البنوك التي اقترض منها ، وأدرك أنه قد تم ابتلاعه... لقد ابتلعه الكبار وقد أصبح صغيراً وصغيراً جداً ... لم يعرف كيف دفع أجور الخدام وصرفهم وأجرى مجموعة من الاتصالات يستنجد بأصدقاء كثيرين لكن أحد لم يمد له العون ،ولم يفكر للحظة بالنظر إلى فوق وطلب العون من الجالس عن يمين الآب ..
انتهى كل شيء... وكالعادة ستباع أملاكه بالمزاد العلني وسيعود صفراً ... لا شيء .. بعد أن كان الكبير ، طلب من أخته أن تجمع أغراضها وكل ما تحتاج إليه لتبدأ حياة جديدة ، لم تفهم سالي ما كان يجري ولم تعبر إلا بدموع حزينة سالت على خديها ..
انطلقت السيارة التي يقودها توماس وإلى جانبه أخته ولم ينظر حتى نظرة وداع إلى منزله أو مكتبه قبل أن يغادرهما ، فلم يكن هو نفسه يصدق ما حصل.. لكن هذا الواقع ..
وبعد عدة ساعات من الرحلة الطويلة تمالكت سالي شجاعتها وقالت : ماذا حصل توماس ؟ إلى أين نحن ذاهبون الآن ؟
- نحو الريف الجنوبي إلى مزرعة قديمة لصديق قبل أن نقيم فيها دون مقابل ، وهي متواضعة لكنها أفضل من الإقامة في الشارع ، فلا أحد في مدينتنا قبل مساعدتنا والأسعار غالية هناك و لا تكفي النقود التي معي لأن نتكفل بها ..
وساد الصمت ...
أطلت من بعيد قرية صغيرة هادئة تبدو منزلها المتواضعة وكأنها بعيدة تماماً عن ازدحام المدينة وضجيجها ، و كان المنزل الجديد متواضعاً وصغيراً ولم يكن فيه أحد إلا أنه كان مرتب لاهتمام أحد رجال صديقه به بين فترة وأخرى ، دخل توماس إلى المنزل وتذكر قصره الكبير وحديقته ، وهز رأسه بألم وحسرة ، كان واضح أن نمط جديد من الحياة بانتظاره بعد أن خسر كل شيء ، وبحث عن مكان يبيع الطعام وأمضى تلك الليلة في غرفته حزيناً شارداً ولم يستطع أن يمنع دموعه ...
أمضى اليوم التالي بالتجول والسؤال والبحث عن عمل جديد ، ولم يكن إيجاد عمل في مثل تلك القرى سهلاً فإما عامل بسيط في حمل الأكياس أو ترتيب الفواكه والخضراوات وأمور أخرى تتعلق بحياة الريف ، ولم يكن أي من الأعمال يناسبه فاستمر بالبحث حتى شارفت الشمس عن المغيب ووجد نفسه يقترب من أطراف القرية ولمح جدولاً من الماء ، وإلى جانبه شجرة كبيرة وتحتها يجلس صبي صغير وحوله مجموعة من الخراف ، فاقترب توماس من الصبي وجلس إلى جواره مستنداً إلى جذع الشجرة ...
™¤¦ابانوب عماد¦¤™
النوع : نوع المتصفح: : الجنسية : المهنة : الهوايات : تاريخ التسجيل : 02/09/2009العمر : 33المشاركات : 7907معدل تقييم المستوى : 22بمعدل : 8764تاريخ الميلاد : 06/08/1991الكنيسة او الابراشية : : كنيسة الملاك ميخائيل