صوره الابديه

جلس راهب علي شاطئ البركة ليتأمل في صورة السماء والغيوم المنعكسة علي سطح المياه الراكدة وبعد فتره من الصمت قال " إن الإنسان أشبه ما يكون بتلك البركة ففي حدود كيانه الضيق تنعكس الأبدية بأسرها ليس عليه أن يبذل أي جهد في ذلك إلا أن يترك هذا الفلك الفسيح ينعكس فيه.

يظن الكثيرون إن اكتشاف الله يتحتم عليهم أن يتسلقوا السماء ويقتحموها ولكن الأمر ليس كذلك بل العكس هو الصحيح حيث أن السماء نفسها تبادر فتعكس ذاتها علي سطح قلوبنا إذا بقيت في سكينه تامة وتسليم مطلق علي غرار تلك المياه الراكدة .

إن الوحل الذي ترسب في قاع البركة لا يمنع انعكاس صوره السماء بل يزيدها وضوحا وجلاء وبالقياس نفسه فإن الوحل المترسب في قلوبنا لا يمنع تجلي صوره الله فينا ، إذا اعترفنا بخطايانا وتبنا عنها
فتوبة الإنسان تفتح باب الرحمة النابعة من قلب الله فتتحول ذنوبنا إلي نور ساطع وتصبح خطايانا طريقا لاكتشاف حنان الله ورحمته.
إن حضور الله فينا نعمه مجانية وهبه خالصة لا نستحقها أو نقتنيها بالأعمال. ما علينا إلا أن نقبلها فتصبح قلوبنا مرآه صافيه تنعكس فيها صوره الله البهية .
إذا قطرت الأمطار علي هذه البركة وأشرقت الشمس عليها كانت كل قطره ماسه ثمينة وشمسا مصغره بكل ما فيها من نور ومجد وبهاء. هكذا الحال مع الإنسان فوجود الله فيه ليس متجزئا محدودا ، بل كاملا وكليا كما يتم في تناول القربان المقدس حيث كل قطعه من الخبز تحمل الحضور الإلهي بكامله . الله لا يحب البشرية بالجملة ككتله واحده بل كل إنسان علي حده ، كما هو الحال مع السامريه وكأنه ترك البشرية كلها واهتم بها وخصص لها الكثير من الجهد والوقت فهي في نظره تمثل كل البشرية.

اخبرني يا من تحبه نفسي أين ترعي أين تربض


الله هو الوجود وبالتالي فإن كل شيء موجود هو تعبير عن وجود الله " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان " فهو الذي أبدع الموجودات وهو مصدر كيانها، فإذا أردت أن التقي بالله ، فعليا أن اكتشف مخلوقاته.

" لان أموره غير المنظورة تري منذ خلق العالم مدركه بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته "
لقد تعودنا أن نبحث عن الله في السموات البعيدة ، ومن خلال الأفكار المجردة ، وفي الفلسفة واللاهوت ونسينا انه اقرب من ذلك بكثير " فها ملكوت الله داخلكم " إذاً نحن في حاجه أن نتعلم لغة المخلوقات نتأمل في المزمور
" السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه " أي نتحسس البعد الثالث ، بحيث نشعر بالخالق من خلال المخلوق وهذا هو مستوي الصلاة حين لا ننظر لمخلوقات بصفتها حقائق ماديه لكننا نلمس حب الله وحنانه . "منه وبه وله كل الأشياء " .
الطبيعة بجمالها وسحرها تبعث لنا برسالة عن الله ، فالغوص في الطبيعة هو ما يدفعنا إلي الشعور بحب الله حيث نشعر بحب يحتوينا وحنان يستوعبنا وسلام يغمرنا وهذه هي الصلاة الحقيقية التي تتخطي مستوي العقل لتصل إلي مستوي أعمق وهو الإحساس بالصلة بين الله وخليقته وأنا علي رأسها .
انظر إلي شروق الشمس ومنظر الغروب البديع ، وكذلك الهواء النقي الذي تستنشقه فهو خليقة الله ، تأمل ذات يوم في القطه ومعها صغارها كيف تخاف عليهم وكيف تسلم جسدها للصغار لكي ترضع وكأنها تقول افعلي ما تريدي ، أنا كلي ملكك ،من أين لهذا الكائن الصغير هذا الحنان والحب إن لم يكن من مصدر حب الله وحنانه .
ما ينقصنا هو النظرة التأملية في الأشياء والمواقف حتى نري الله من خلالها.

مجهود جميل ربنا يعوضك

ميرسي كتير موضوع جميل ومجهود مميز ربنا يعوض تعب محبتك ,,,,, بوب