البابا شنوده و نجيب جبرائيل و جمال أسعد
أطلت معركة الزواج الثانى برأسها مرة أخرى داخل الكنيسة الأرثوذكسية بعد الحكم الذى صدر من دائرة الموضوع بمحكمة القضاء الادارى بإلزام البابا شنودة بالتصريح للأقباط المطلقين بالزواج مرة أخرى مستندة إلى ما أسمته «الحق الدستورى فى تكوين الأسرة».
الحكم يفتح باب الأمل لحوالى 40 ألف مسيحى ومسيحية ينتظرون موافقة البابا على الزواج الثانى، حيث أكدت المحكمة أنها «تحترم المشاعر الدينية غير أنها تحكم وفقا لما قرره القانون، وأن القاضى لا مفر أمامه إلا تنفيذ ما نص عليه القانون وقواعده» وهو الأمر الذى رد عليه القمص صليب متى ساويرس، عضو المجلس الملى وكاهن كنيسة الجيوشى، بقوله: «الكنيسة أيضاً تحترم أحكام القضاء، ولكنها فى النهاية سلطة زمنية ولا توجد قوة أرضية تستطيع إجبار الكنيسة على مخالفة الإنجيل».
ساويرس قال لـ«اليوم السابع» إنه من يحصل على حكم بالزواج الثانى فليتفضل ويتزوج، ولكن لن يحصل على تصريح زواج من الكنيسة، ومن حقه أن يتزوج «زواجا مدنيا» أو يلجأ لطائفة ثانية، ويحصل على التصريح من كنيسة أخرى، ولكننا كأرثوذكس لن نخالف تعاليمنا الكنسية.
حديث ساويرس عن الزواج المدنى يعنى أن هانى وصفى، وهو أحد الأقباط، الذى اختصم البابا شنودة فى دعوة قضائية وطعنت عليها الكنيسة ورفضت المحكمة الطعن، لن يستطيع الذهاب إلى الكنيسة لتنفيذ الحكم القضائى أو الحصول على تصريح ومراسم الزواج.
إلا أن المفكر القبطى جمال أسعد طالب الكنيسة بسرعة تنفيذ الحكم لأن عدم التنفيذ يعنى ثلاثة أمور جميعها «سيئ» على حد قوله، وهى إما أن يشعر المسلمون أن الكنيسة فوق القانون، أو يشعر المسيحيون باستقواء لا أساس له، أو تشتعل الفتنة بين الطوائف المسيحية بسبب الاستقطاب من أجل تصاريح الزواج، مشددا على ضرورة عدم الخلط بين عدم تنفيذ حكم قضائى ومخالفة كلام الله، وأضاف: «هذا الحكم يخص تصرفات بشرية طبقا لتفسيرها لنصوص الله».
وقال أسعد إن البابا شنودة منع الزواج الثانى إلا لعلة الزنى بناء على تعديله للائحة 38، وهو تعديل لم يعرض على مجلس الشعب، بينما المحكمة تصدر أحكامها بناء على اللائحة القديمة التى لم تعدل، كما أن علة الطلاق عليها اختلاف، واستشهد أسعد بقول الإنجيل «الروح يُحيى والحرف يقتل» وعلق على ذلك قائلاً: «ما جاء باللائحة يحكم به منذ القرن الـ12، لذا فإن تعديلها يحتاج لمناقشات مجتمعية وقانونية، لتأكيد مبدأ أن الدين يسر وليس عسرا، ولكن التمسك بمبدأ مثل عدم إعطاء تصاريح زواج ثان سيقود إما إلى انحراف جنسى أو قتل أو فتنة طائفية بسبب تغيير الديانة».
القمص صليب متى، أكد أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون هذا القرار ملزما للبابا شنودة، لأن هذا زواج مدنى لا تعترف به الكنيسة الأرثوذكسية، ولا يمكن لأى كاهن فى الكنائس الأرثوذكسية أن يزوج طبقاً لهذا القرار الصادر من المحكمة.
وأضاف أن البابا شنودة ملتزم فى هذا الأمر بتعاليم الإنجيل التى تحث على عدم الطلاق إلا لعلة الزنى وتمنع الزواج مرة ثانية، لأن الزواج فى المسيحية سر مقدس له قدسية الأسرار السبعة فى المسيحية، والتى يجب على المحكمة عدم اختراقها.
نجيب جبرائيل، المحامى والناشط القبطى، أكد أن هذا الحكم غير ملزم لقداسة البابا شنودة، لأنه لا يمكن أن يخالف البابا تعاليم المسيحية من أجل أحكام القضاء، وتابع أن هذا الأمر هو عمل دينى بحت لا يجوز للمحكمة أن تتدخل فيه، ولا يمكن أن يندرج تحت ما يسمى بحرية الأشخاص، لكن هذا الأمر يثير أزمة فى الكنسية، عازماً على الطعن فى الحكم أمام الدستورية العليا، وموضحاً أن الكنسية سوف تتصدى لأى قبطى يحاول إجبارها من خلال هذا القانون.
«الكنسية للتزويج والمحكمة للتطليق» كان هذا ما قاله ممدوح نخلة المحامى، مؤكداً أن هذا الحكم غير ملزم للكنيسة التى لها طقوسها الخاصة فى الزواج، ومن ثم يجب على القضاء احترام هذه الطقوس وعدم اختراقها بأى حال من الأحوال، لأن الزواج الكنسى يختلف عن الزيجات الأخرى، لذا يصبح هذا الحكم غير معمول به، مؤكداً أن هذا الحكم لا يعمل به سوى أمام المحاكم وفى الشهر العقارى، أما الكنسية فتنأى عن هذا، مشيراً إلى أن هذا الحكم يحتاج إلى حل توفيقى لأنه ملزم مدنياً، ولكنه لن يجبر الكنيسة على الاعتراف بهذا الزواج الثانى ولا يوجد حل عقائدى لهذه المشكلة لأن الكنيسة ثابتة على موقفها، مؤكداً أن الـ 20 ألف حالة زواج التى تراكمت خلال الـ20 سنة الأخيرة فى انتظار تصريح الزواج الثانى سيضطر كل منهم إلى رفع دعوى قضائية على حدة، لأن هذا الحكم لن يتم تعميمه عليهم.
ومن جانبه أشار نبيل غبريال، المحامى، أن هناك مادة بالقانون المصرى تنص على أن أحكام المسيحيين تكون نابعة من شريعتهم، ومن ثم يجب على المحكمة عدم اختراق خصوصيات الكنيسة.
وأوضح أن هذا الحكم يثير أزمة بين الأقباط ويصطدم بالكنيسة، متسائلاً: هل تستطيع المحكمة أن تفرض على شيخ الأزهر أن يجعل أوقات الصلاة للمسلمين 6 أوقات فى اليوم بدلاً من 5؟ فلمَ تتدخل المحكمة فى الطقوس الدينية الخاصة بالأقباط والنابعة من إنجيلهم؟ وطالب مسؤولى الكنيسة باللجوء إلى المحكمة الدستورية لوقف هذا الحكم وعرقلة تنفيذه، لأن هذا الحكم يفتح الباب لضعاف النفوس الراغبين فى الزواج مرة ثانية وضرب التعاليم الدينية فى عرض الحائط.
الأمر الأكثر خطورة الذى تبحث الكنيسة عن مخرج له خلال الأيام القادمة هو عدم انتشار نبرة أن من يريد الزواج الثانى يلجأ لطائفة أخرى، حيث يأتى هذا القول فى توقيت تدخل فيه الكنيسة صراعاً حاداً مع طوائف أخرى بسبب «خطط تبشيرية» لجذب أتباع الكنيسة الأرثوذكسية، ليأتى هذا الحكم ليشعل الأمور بين الطوائف المسيحية مرة أخرى، بالإضافة إلى أن مخاوف ترك البعض ديانته للحصول على تصاريح الطلاق هو أحد المخاوف الكبرى لدى الكنيسة بوصفه الطريق الأسرع لإشعال الفتنة الطائفية.