استغرب في حوار مع إيلاف توجيه انذار لقناته وأضحكه إتهامه بالتطبيع (2-2)
نجيب ساويرس: مصر تحتاج دستوراً بدون شوائب وحرية وديمقراطية
صبري حسنين من القاهرة
2010 الجمعة 5 نوفمبر
قال رجل الأعمال نجيب ساويرس في الجزء الثاني من حواره مع "إيلاف"، إن مصر في حاجة ماسة إلى ثلاثة إجراءات سريعة لتحقيق الإصلاح وهي: دستور بدون شوائب، وحرية مسؤولة، وديمقراطية حقيقية. مشيراً إلى أن تجربة رجال الأعمال في الحكومة ناجحة، ولكن من أخطر مساوئها هي خلط المال بالسياسة، واقترح تشكيل لجنة تدير شركات رجال الأعمال في حالة تولي أي منهم منصباً رسمياً، بحيث لا تترك له فرصة لإستغلال منصبه في تعاملات مادية مع شركاته. وأعرب عن غضبه من توجيه إنذار إلى قناته "أون تي في"، واصفاً ذلك الإجراء بأنه "صبياني". وأعتبر اتهامه بالتطبيع "نكتة"، لافتاً إلى أنه من الخطأ ترك مدينة القدس يتم تهويدها، وترك الشعب الفلسطيني يموت من الجوع، حتى لا يتم إتهامنا بالتطبيع.
يقول رجل الأعمال نجيب ساويرس أن سوق الإتصالات في العالم العربي وصل إلى مرحلة التشبع من حيث الرخص، منوهاً بأن المجال مفتوح حالياً لتطبيقات الهاتف المحمول والإنترنت. ويكمل ساويرس حواره مع "إيلاف":
ـ ترتدي دائماً عباءة المعارضة، رغم أنك رجل أعمال ولديك مصالح مع الحكومة، كيف استطعت الحفاظ على شعرة معاوية معها؟
هناك قناعة لدي المصريين والحكومة والرئيس أني رجل "نيتي سليمة"، ولا أريد سوى مصلحة بلدي. وليس لدي أجندة معينة أنفذها لحساب جهات أخرى. ولذلك يتعاملون معي بسعة صدر غير عادية. وهذا ما يخفف الغضب علي. لكن ذلك لا يحدث بالطبع مع من يبحثون عن الظهور الإعلامي أو يبحثون عن مناصب. ولكن في الأول وفي الآخر "ربنا بيسترها معايا، لأن نيتي سليمة".
ـ هناك حالة زواج ما بين السلطة والثروة في مصر حالياً أدت إلى الكثير من أوجه الفساد، كيف ترى تلك الظاهرة؟
إنها ظاهرة موجودة في جميع دول العالم، فمثلاً ثلاثة أرباع وزراء الإدارة الأميركية الحالية رجال أعمال، وما ينقصنا في مصر هو تطبيق مبدأ عدم خلط المال بالسياسية، فإذا تولى رجل أعمال منصباً في الحكومة، يجب أن تكون هناك جهة تتضمن في تشكيلها بعض المصرفيين والقانونيين والإداريين المشهود لهم، وتتولى إدارة أعمال وشركات رجال الأعمال الذين يشغلون مناصب رسمية حتى إنتهاء فترة ولايتهم. وتتأكد من عدم وجود تعاملات من أي نوع بين شركاته والوزارة أو الجهة الحكومية التي يتولى إدارتها. وأنا شخصيا أرى أن تجربة وجود رجال أعمال في الحكومة المصرية ناجحة، بغض النظر عن كل الإنتقادات التي وجهت لها. وليس معنى فشل البعض منهم أنها تجربة فاشلة. فمثلاً المهندس محمد منصور وزير النقل السابق لم يفشل في تجربته، بعد أن قدم استقالته على خلفية حادثة إنقلاب قطار. لأن منظومة السكة الحديد تحتاج لسنوات لإصلاحها، الأمر الذي لم يتوافر له.
ـ ينظر إليك بإعتبارك من دعاة حرية الرأي، لكن ذلك لم يمنعك من إبعاد ابراهيم عيسى من قناتك "أون تي في"، الأمر الذي يراه البعض بمثابة قربان للنظام خاصة مع إقتراب الإنتخابات البرلمانية ثم الرئاسية؟
تعاني قناة "أون تي في" من مشاكل مالية، لعدم وجود إعلانات، لأنها قناة سياسية إخبارية، وعادة تذهب الإعلانات للقنوات التي تذيع الدراما والأفلام. وتزامن ذلك مع تقديم إبراهيم عيسى برنامج "بلدنا بالمصري" على شاشتها، "وكان طول النهار شتيمة في الحكومة". بالتالي فالمعلنون يحجمون عن الإعلان فيها، ظناً منهم أن ذلك سيجعل الحكومة تنظر إليهم باعتبارهم داعمين لوجهات النظر المضادة لها. واستطعنا الحصول على إعلانات عدد من الشركات بوساطة شخصية مني. في تلك الأثناء تلقى إبراهيم عيسى رسالتين أو ثلاثة تقول له:"من فضلك هدي الوضع شوية. إحنا داخلين على مرحلة حرجة، لأن النظام نفسه ممكن يهيج من التهييج اللي إنت بتعمله ده". بالإضافة إلى أن الإنتقاد الحاد جداً وباستمرار، يعمل على "تطفيش" المعلنين، فلا داعي للهجوم على مشروع "مدينتي". وكل ما طلبته منه هو أن يهدىء من نبرة هجومه على النظام ورجال الأعمال. ورغم ذلك تكن تلك هي الأسباب التي أدت إلى رحيله عن القناة. لكن هناك أسباب أخرى لا أحد يعرفها.
ـ إذن ما الأسباب الحقيقية وراء إقصائه عنها، ولا يعرفها أحد حتى الآن؟
الحقيقة أن جريدة "المصري اليوم" نشرت خبراً يفيد أن إبراهيم عيسى حصل على مبلغ مليون جنيه في صفقة بيع جريدة "الدستور" للدكتور السيد البدوي ورضا إدوارد، وهذا ما أدى إلى "عفرتة إبراهيم، وخروجه عن طوعه" علماً أن هذه المعلومة مؤكدة، حيث حصل على هذا المبلغ بطريق غير مباشر من خلال أحد المساهمين. فشن حملة هجوم شديدة على "المصري اليوم" رغم أنه يعلم أني مساهم فيها. ووضعني في موقف حرج مع مجدي الجلاد رئيس التحرير، ومع مجلس إدارة الجريدة. فكيف يستمر معي إذا خلق لي مشاكل مع المعلنين، ومشاكل مع الجريدة التي أساهم فيها؟!. بالمناسبة عرض عليّ شراء "الدستور" قبل دخول الدكتور السيد البدوي ورضا إدوارد، لكني رفضت. كانت لدي قناعة أن تلك الجريدة لا تساوي سوى صفر بدون إبراهيم عيسى من الناحية المالية. إذن الأمر ليس له علاقة بتقديم قرابين للنظام الحاكم، وإلا ما كنت تعاقدت معه لتقديم البرنامج من الأساس. لأنه "مغضوب عليه من يومه". وما كان النظام ليوافق على تعيينه في قناتي من البداية، لو أني أتلقى تعليمات من أية جهة.
ـ في إعتقادك، هل توجيه إنذار إلى قناتك "أون تي في" هو إنذار لك شخصياً؟ وكيف ترى إغلاق قناة أوربت وصفقة الدستور وإغلاق عدد من القنوات الدينية؟
شعرت بالإستياء الشديد من الزج بقناتي "أون تي في" في مثل تلك المهاترات، لأن جميع القنوات التي أغلقت أو تم توجيه انذارات لها لا ترتقي إلى مستوى قناتي مع كامل الإحترام لها جميعها. ولا أعتقد أنها قناة معادية للنظام، رغم أنها ليبرالبية وحادة الصوت، كما أني لست من المحسوبين ضد النظام، ولا أعمل ضد مصلحة بلدي. إذن هذا الإجراء "غريب"، المقصود منه توجيه رسالة للآخرين مفادها "لا أحد على رأسه ريشة، وأنه تم توجيه إنذار إلى نجيب ساويرس أيضاً، حتى لا يقال أن هناك ناس وناس". ما أغضبني أني مواطن ورجل أعمال ملتزم بالقوانين، فأنا أقف في إشارة المرور، ولا أسير بدون رخصة القيادة، وعندما أركن سيارتي أركنها في المكان الصحيح. إذن ليس من الصحيح أن يتم توجيه إنذار إليَ، ووضعي ضمن طابور المشبوهين. والجميع حولي يعتبون علي أني أخذت الموضوع بضيق شديد، وهذا حق، لأني أدركت أنه لا أحد في هذا البلد يحترم من يلتزم بالقانون. والغريب أنهم قالوا أن سبب الإنذار هو عدم وجود رخصة لتقديم شريط أخبار، رغم أن لدينا الترخيص، وتم تقديمه إلى الجهة المختصة. إذا كانوا يرديدون إغلاقها فليفعلوا. وهذا الإجراء لا يمكن قراءته خارج السياق العام الذي تمر به البلاد حالياً، وأن هناك رغبة من النظام في تهدئة الأجواء في ظل هذه الفترة الحرجة. ولا بد أن يتحلى الجميع بالهدوء. أنا مع النظام في تلك الإجراءت رغم أني تضررت منها.
ـ كيف تقرأ المشهد السياسي في مصر حالياً وبعد عام من الآن؟ وهل تعتقد أن هناك إمكانية لتوريث جمال مبارك للحكم؟ وما رأيك في الدكتور محمد البرادعي كبديل للنظام الحالي؟
(بابتسامة خفيفة، يقول) : أنت تحاول جري إلى مناطق لا أريد الخوض فيها. ولن تستطيع ذلك. وسأرد على السؤال بطريقتي. هناك "روشتة" مهمة تحتاجها مصر من أجل الإصلاح، ألا وهي أن تمتثل لكل القوانين والنظم المعمول بها في العالم كله. وتلك النظم لا تخرج عن ثلاث كلمات: الأولى "دستور بدون شوائب"، حيث من المهم تعديل الدستور وإزالة ما به من شوائب تفرق بين مواطن وأخر. الثانية "حرية حقيقية" بحيث تكون هناك حرية حقيقية ومسؤولة. الثالثة "ديمقراطية حقيقية". ولن يصلح حال هذا البلد إلا من خلال تطبيق تلك الكلمات الثلاث. وحتى يحدث ذلك لا بد من وضع خطة طويلة الأمد عمرها يكون أول أهدافها تغيير مناهج التعليم جذريا، بحيث تكون على مستوي عالمي.
الإهتمام بالخدمات الصحية، بحيث تضاهي مثيلاتها في العالم المتقدم. توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن، بحيث لا يكون هناك فقير ينام على جوع. والقول بأن ذلك يتطلب موارد مالية ضخمة كلام غير صحيح، لأن الحكومة لو وفرت الأموال الضخمة التي أنفقتها في مشروع توشكي في جنوب مصر، و لم تجن منه البلاد أي شىء، وتم استثمار تلك المبالغ في مجال التعليم لتغيرت الأحوال للأفضل. إذا تم إحداث تلك التغييرات خلال 10 أو 15 سنة، يمكن الإنتقال بعد ذلك إلى مرحلة تعديل الدستور، وتحقيق الديمقراطية الكاملة. والمشكلة أننا عندما نتحدث عن "التوريث" أو البرادعي نتناسى أن مصر ليس لديها نظام لتداول السلطة وإدارة البلاد بشكل يكفل تحقيق "دستور بدون شوائب" و"حرية مسؤولة" و"ديمقراطية حقيقية". وهذا يتطلب تخفيف قبضة الأجهزة الأمنية عن إدارة الدولة، لأن هذا النظام البوليسي غير موجود في دول العالم المتقدم.
ـ تشكو إستثماراتك في الجزائر من مضايقات حكومية، لماذا؟ في إعتقادك هل العلاقة بين مصر والجزائر بهذا القدر من الهشاشة لدرجة أن مباراة كرة قدم قادرة علي تعكير صفوها؟
تتعرض استثماراتنا في الجزائر لمضايقات من قبل مباراة كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر بالسودان في تصفيات التأهل لكأس العالم. وتتمثل المضايقات في فرض ضرائب غير مبررة وغير قانونية. منعنا من تحويل أرباحنا للخارج. منع البنك المركزي الجزائري تحويل الأموال من وإلى حساباتنا. منعنا من استيراد المعدات لتطوير نشاطنا. منعنا من الإعلان في التلفزيون الرسمي. كما تعرض المقر الرئيسي للشركتنا للحرق والدمار. وتم استدعاء مدير الشركة أكثر من مرة للتحقيق في إتهامات لا أساس لها من الصحة. ولا تدل تلك الإجراءات على هشاشة العلاقة بين مصر والجزائر، ولكن تدل أن هناك دولة تخاصم الشخص، وهذا لا يليق.
ـ إذا كانت مبارة كرة القدم برئية مما تعاني منه، ما الأسباب التي دعت دولة لمخاصمة شخص كما تقول، هل هناك مستثمر آخر يريد الإستحواذ على السوق الجزائري؟
لا أريد الخوض في الأسباب بشكل مستفيض، لكن يبدو أننا ندفع ضريبة النجاح، ويبدو أيضاً أن رئيس الوزراء قرر تعديل مسار الإقتصاد من الليبرالي الحر إلى النظام الإشتراكي التأميمي.
ـ العراق في البدء، ثم باكستان، كوريا، الجزائر، وأخيراً فلسطين، مجموعة من المناطق الساخنة التي تنتشر استثمارتك بها، ما يغريك فيها رغم أنه من المعروف أن رأس المال يفضل الهدوء ويهرب من مناطق التوتر؟
أصبحت الإختيارات في الإستثمار بمجال الإتصالات محدودة للغاية، فليس هناك أية فرص للحصول على رخص جديدة لشركات الهاتف المحمول. فلم يعد أمامنا سوى الدخول في أسواق تلك المناطق الساخنة أو التي فيها أخطار عالية، ونحن تعودنا على تلك المخاطر.
ـ ألا تخشى من إتهامك بالتطبيع بعد قرارك الإستثمار في فلسطين؟
كلمة التطبيع صارت "نكتة". وسأوضح مقصدي بأننا كعرب نقف موقف المتفرج مما يحدث في الأراضي المحتلة حالياً، حيث يقوم العديد من رجال الأعمال اليهود سواء في إسرائيل أو أميركا بشراء مساحات كبيرة من الأراضي والبيوت والممتلكات، وتجري عمليات تهويد منظمة لمدينة القدس. ولم نتحرك نحن العرب لإيقاف تلك الخطة، بحجة "التطبيع". هذا من ناحية، كما أن الشعب الفلسطيني يعاني في الداخل من قلة الوظائف، ونقص المواد الأولية، وعدم وجود أمل في المستقبل. طبقاً لنظرية الخمسينيات والسيتنيات، فلا بد أن نترك القدس، كي تتحول إلى مدينة يهودية، وأن نترك الشعب الفلسطيني يجوع، حتى لا نتهم بالتطبيع. وهذا خطأ. والإستثمار في فلسطين يأتي إنطلاقاً من مقولة عمدة نابلس:"ليس اعترافاً بالسجان، ولكن مؤازرة للسجين".
ـ نشرت إحدى الصحف الإسرائيلية تقريراً تقول فيه إن إيهود بارك وزير الدفاع الإسرائيلي تدخل لإقناع حكومته بإتاحة الفرصة لك للإستثمار في قطاع الإتصالات هناك، ما مدى صحة ذلك؟
ما حدث بالضبط أني اشتريت شركة إتصالات صينية كانت تملك 18 رخصة هاتف محمول في مختلف أنحاء العالم، منها رخصة في اسرائيل، وكنا نريد زيادة حصتنا في الشركة الأم، لكن القانون الإسرائيلي يمنع تملك الأجانب أكثر من نسبة 10% من رأس مال الشركة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. مما استلزم الحصول على موافقة الحكومة الإسرائيلية أولاً. ولا أعلم هل تدخل إيهود بارك في الأمر أم لا؟ ومن المحتمل أنه وجد أن فكرة دخول مستثمر مصري للسوق الإسرائيلي، يخدم أهدافهم في فرض نظرية أنهم شعب يسعى للسلام. وفي النهاية رفضت حكومة تل أبيب الموافقة على زيادة حصتي في الرخصة الإسرائيلية. واضطررت لبيع الشركة الأم ككل.
ـ ما تعليقك على إتهام البعض لك بدعم إنفصال الجنوب السوداني من خلال التبرعات المادية أو بناء المدارس أو المستشفيات؟
مصر لديها مصالح استيراتيجية في السودان بصفة عامة. ومن المفترض أن تكون علاقتنا مع جنوب السودان جيدة. وأنا عندما أبني مستشفى أو مدرسة فأنا أساعد الشعب السوداني الشقيق، وأحاول توطيد العلاقات مع الجنوب. ولا أساهم أو أشجع على الإنفصال.
ـ بصفتك واحد من كبار المستثمرين في قطاع الإتصالات في العالم العربي، هل تشبع السوق أم ما زال في إنتظار المزيد من الإستثمارات؟
أعتقد أن سوق الإتصالات في العالم كله وليس العالم العربي فقط قد تشبع من حيث الرخص الجديدة، والدليل أننا لا نجد لأنفسنا موضع قدم إلا في المناطق الساخنة والخطرة فقط. ولكن المستقبل للتطبيقات الجديدة. بحيث يستخدم الهاتف المحمول في تحويل الأموال من البنوك، ويكون بمثابة "كريديت كارد"، والتواصل مع الإنترنت من خلاله وغير ذلك. علماً أن الإستثمار في مجال الإنترنت ما زال واعداً، وأمامه نحو عشر سنوات أخرى للوصول لمرحلة التشبع.
المصدر
ايلاف