العلاج بالحرمان
«حياتي لاتطاق،مشاكل كثيرة،أنا في غاية التعاسة»,قال السيد فرحان وتنهد عميقا.
-الطبيب : حدثني عن حياتك بتفاصيل أكثر
- فرحان : أنا موظف حكومي،راتبي ينتهي مع انتهاء الأسبوع الثالث من الشهر، زوجتي متطلبة وغير قنوعة، دائما تريد أن تشتري ملابس للأطفال في كل عيد،وتريد أن تأكل فواكه كل يوم، وتريد أن تأكل اللحم في الأسبوع مرة،تصور يا دكتور،كل أسبوع مرة،لدي سيارة موديل 1985،تعمل يوما وتتعطل أسبوعا.
الطبيب : أنت في ورطة كبيرة ونعمة كبيرة في نفس الوقت.
أريد علاجا يجعلني اشعر بهذه النعمة الكبيرة التي أنا فيها
حسنا، سوف أعطيك إبرة في الوريد الآن،وبعد ساعتين من الآن،سوف تقول لي بنفسك أنك في نعمه عظيمة
ستكون هذه معجزة عظيمة إن حصلت،ولكن سأحاول.
حقن الطبيب السيد فرحان بإبرة في الوريد أدت الى فقدان الوعي خلال ثوان قليلة.افرغ الطبيب جيوب المريض من كل محتوياتها ( محفظة,نقود،هاتف نقال) ووضع في جيبه بطاقة عليها اسم الطبيب وعنوان العيادة ومبلغ دينارين فقط.
بعد 5 دقائق استيقظ السيد فرحان، ونظر حوله وقال: أين أنا؟ من أنا؟ من أنت؟ ما الذي يحصل؟
قال الطبيب : لقد حضرت لدينا للعلاج وأنت جاهز للمغادرة الآن، مع السلامة.
خرج السيد فرحان من العيادة وسرعان ما أدرك انه فاقد للذاكرة ولا يملك شيئا
مشى في الشارع ورأى رجلا يمشي مع زوجته وأطفاله (يا له من محظوظ لديه زوجة وأطفال يلعب معهم ويلعبون معه) قال فرحان في داخله
رأى رجلا يأكل الذرة المشوية والترمس (يا له من محظوظ،لاشك انه يستمتع غاية المتعة)
رأى رجلا عائدا من وظيفته يحمل كيسا من الخبز لأطفاله (يا له من سعيد،لديه وظيفة ويمكنه شراء الخبز لأطفاله)
سمع صوت شجار بين رجل وزوجته (على الأقل لديهم القدرة على الصراخ على بعضهم البعض،يالهم من محظوظين)
رأى رجلا أعمى يشق طريق بصعوبة على الأرصفة- الكفيلة بإسقاط المبصرين أرضا فما بالك بمن لا يرى- قال :الحمد لله إنني أرى كل هذه الحفر والأتربة على الرصيف وبإمكاني أن استمتع بالدوران حولها والقفز فوقها)
شم رائحة القمامة الكريهة المنبعثة من حاويات عرجاء تفيض بأكياس مثقوبة وقطط ملوثة (الحمد لله أن لدي حاسة الشم التي هي من أحلى النعم)!!!!
بعد ساعة ونصف من المشي,سأل نفسه السؤال المحتوم : ثم ماذا؟ أين اذهب؟ لا اعرف اسمي ولاعنواني ولا عملي (إن كان لي لدي أصلا أي من هذه المقومات البسيطة)
دس يده في جيبه ووجد بطاقة الطبيب وعنوانه ( من الأفضل أن أعود الى ذلك الطبيب لعله يعرف عني مالا اعرف عن نفسي)، ولكن كيف سأصل هناك؟
أوقف تاكسيا وأعطاه بطاقة الطبيب وسرعان ما كان يقف أمام مبنى العيادة،سأل السائق كم تأمر؟ قال:ديناران
دس يده في جيبه بحث عن محفظته فلم يجدها،امتقع وجهه قبل أن يجد في جيبته الأخرى مبلغ دينارين بالتمام والكمال ودفعهما الى السائق وأسرع الى عيادة الطبيب.
يا دكتور، أنا لا اعرف مالذي يحصل ولكن يبدو انك تستطيع مساعدتي
طبعا، لا تقل شيئا بل استلق على طاولة الفحص سوف أعطيك إبرة صغيرة تساعدك على الكلام.
أعطى الطبيب السيد فرحان الإبرة الثانية، وسرعان ما حصل ما حصل قبل ساعتين،فقدان وعي ثم صحوة سريعة.
«يا سلام، لقد حلمت حلما غريبا يا دكتور»
حسنا، أنت جاهز للعودة الى البيت الآن، لا تنس أن تأخذ محفظتك وهاتفك النقال معك
خرج السيد فرحان من العيادة وهو يشعر انه يملك الدنيا وما فيها وكان يغني ( يا حلاوة الدنيا يا حلاوة.....)( لدي زوجة وأطفال وأموال وسيارة ووظيفة استطيع النظر والشم وشراء الترمس والذرة والمشي) أنا فرحان وهذا اسم على مسمى, ما أروع أن يجرب الإنسان حرمان نفسه من كل شيء لفترة محدودة ليعود ويشعر بما لديه ويقدر ما وهبه الله من نعم).
ملاحظة
نعمة الحرمان المذكورة اعلاه هي طريقة مفيدة لإبقاء التفاؤل والطموح والأمل موجودة في حياه الناس, ولكنها ليست -ولا يجب أن تكون- وسيلة تخدير (مورفين) للناس التي تقبع في قاع الهرم الإنساني وليس لديها الا القليل القليل، بل إن السعي نحو الأفضل دائما هو الشعار الذي يجب أن يرفعه كل الناس، سواء كان فرحانا أو غير فرحان.