يصلى ويقول:
توبنى يا رب فأتوب:
(أر 31: 18).
فالصلاة هى باب المعونة، الذى يدخل منه الخاطئ إلى التوبة.
وقد قال ماراسحق
" من قال إن هناك باباً آخر للتوبة غير الصلاة فهو مخدوع من الشياطين "..
إذن لا تنتظر حتى تتوب ثم تصلى!!
إنما أطلب التوبة في صلاتك،
من ذلك الذى قال
" بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً " (يو 15: 5)
الصلاة هى فتح القلب لله، لكى يدخل ويطهره.
تذكرنا بصلاة العشار، الذى رفع قلبه في انسحاق أمام الله، طالباً الرحمة
(لو 18: 13).
وهكذا خرج مبرراً.
عليك إذن أن تصلى لكى تحصل على نقاوة القلب، وأنت تقول للرب في صلواتك:
إنضح على بزوفاك فأطهر، واغسلنى فأبيض أكثر من الثلج
(مز 50)..
أليس هو القائل
" أعطيكم قلباً جديداً، وأجعل روحاً جديدة في داخلكم.. وأجعلكم تسلكون في فرائضى "
(خر 36: 26، 27)..
اطلب منه في صلاتك تحقيق هذا الوعد.
الصلاة هى تدشين للشفتين وللفكر، وهى تقديس للنفس، بل هى صلح مع الله..
الإنسان الذى بينه وبين الله
خصومة،طبيعى أنه لا يتحدث معه. لا يصلى.
لا يجد دالة للحديث مع الله.
فإن بدأ يصلى، فمعنى هذا أنه يريد أن يصطلح مع الله..
وإذا صلى،
يستحى من حديثه مع الله، ويخجل من أن ينجس فكره الذى كان مع الله منذ حين.
يصل إذن إلى استحياء الفكر، وهذا ظاهرة روحية صحيحة.
و هكذا بالصلاة تبطل الأفكار الردية، كلما داوم الإنسان على الصلاة، ويدخل بها في جوارحي، ويبعد عن قوات الظلمة.
الصلاة هى رعب الشياطين، وأقوى سلاح ضدهم.
فالشيطان يخشى أن يفلت هذا المصلى من يده. يخشى أن ينال بصلاته قوة يحاربه بها. كما أنه يحسده على علاقته هذه مع الله، التى حرم هو منها..
لذلك فالشيطان يحارب الصلاة بكل الطرق يحاول أن يمنعه بأن يوحى للآنسان مشاغل كثيرة تنتظره وليس لديه وقت،
أو يشعره بالتعب وبثقل في الجسد.
وإن أصر على الصلاة، يحاول أن يشتت فكره ليسرح في أمور عديدة..
أما أنت يا رجل الله، فاصمد في صلاتك مهما كانت الحروب. وركز فيها فكرك وكل مشاعرك.
و كما قال الرسول
" قاوموا ابليس فيهرب منكم "
(يع 4: 7).
فلاتستسلم لأفكاره.
واعرف أن محاولته منع صلاتك، إنما تحمل اعترافاً ضمنياً منه بقوة هذه الصلاة
كسلاح ضده.فلا تلق سلاحك، بل حارب به.
واستمر في الصلاة مهما شردت أفكارك.
ولا بد أن ييأس العدو من جهادك الروحى ويتركك.
كما أن النعمة لن تتخلى عنك، بل ستكون معك..
و في صلاتك، فتح أعماق نفسك لتمتلئ من الله.
اطلب الله نفسه، وليس مجرد خيراته.
قل له كما سبق أن قال داود
" طلبت وجهك، ولوجهك يا رب التمس. لا تحجب وجهك عن"
(مز 199).
تأكد أن نفسك التى تشعر بنقصها، ستظل في فراغ إلى أن يكملها الله نفسه.
إنها تحتاج إلى حب أقوى من كل شهوات العالم.
وهى عطشانة، وماء العالم لا يستطيع أن يرويها
(يو 4: 13).
قل له يا رب: لست أجد سواك كائناً يفهمنى.
واطمئن إليه:
افتح له قلبى، وأحكى له كل أسرارى، وأشرح له ضعفاتى فيسمعها ولا يحتقرها.
وأسكب أمامه دموعى، وابثه أشواقى.
أشعر معه أننى لست وحدى، وإنما معى قلب يحتوينى وقوة تسندنى..
بدونك يا رب، أشعر أننى في فراغ، ولا أرى لى وجدوداً حقيقياً.
أنت هو عمانوئيل، الله معنا..
روحى تشتاق إلى روحك الكلى، تشتاق إلى ما هو أسمى من المادة والعالم وكل ما فيه..
نعم،
إن في داخلى اشتياقاً إلى غير المحدود، لا يشبعة سواك
هذه هى صلاة الحب، وهى أعلى من مستوى الطلب.فأنت قد تصلى ولا تطلب شيئاً..
قد تكون صلاتك على ما أعطاه لك الله من قبل.تشكره على عنايته بك، ورعايته لك، وعلى ستره ومعونته وكل إحساناته، لك ولكل أصحابك وأحبابك..
وقد تكون صلاتك
تسبيحاً لله، مثل صلاة السارافيم " قدوس قدوس، رب الجنود السماء والأرض مملؤتان من مجدك وكرامتك "
(أش 6).
قد تكون صلاتك
مجرد تأمل في صفات الله الجميلة، كما في صلوات القداس الغريغورى، وكما في كثير من المزامير وصلوات الساعات.
وكما قال القديس
باسيليوس الكبير" لا تبدأ صلاتك بالطلب لئلا يظن أنه لولا الطلب ما كنت تصلى.
باسيليوس الكبير
" لا تبدأ صلاتك بالطلب لئلا يظن أنه لولا الطلب ما كنت تصلى"
اعتبر صلاتك مجرد تلذذ بعشر الله، أو كما يسميها بعض الآباء " مذاقة الملكوت ". مجرد وجودك في حضرة الله متعة، حتى لو لم تفتح فمك بكلمة واحدة، حتى لو لم يتحرك ذهنك بأى فكر، كطفل في حضن أبيه ولا يطلب شيئاً سوى أن يبقى هكذا..
ترى ما الذى يمكننا أن نطلبه في ملكوت السموات؟!لا شئ طبعاً.
لأن هناك لا ينقصنا شئ حتى نطلبه. إنما نتمتع بما قال عنه المرتل
" ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب "
(مز 34:
.
الصلاة هى مذاقة الملكوت هذا. نذوق هنا على الأرض ما سوف نتمتع به في السماء...لذلك قيل عن الصلاة إنها طعام الملائكة.
هى طعام أرواحهم، وهى غذاؤهم الذى يشبعهم.
وهكذا أيضاً بالنسبة إلى أرواح القديسين، وكانت على الأرض غذاء للآباء المتوحدين والسواح..
ويتغذون بيها بمحبة الله وعشرته، ومتعة أرواحهم به. كما قال داود النبي للرب " أما أنا فخير لى الالتصاق بالرب "
(مز 73: 28)
مبارك هو إلهنا الطيب الذى منحنا أن نصلى. تواضع منه أن يسمح لنا بأن نتحدث إليه.
وتواضع منه أن يصغى إلينا.. من نحن التراب والرماد، حتى نقترب إلى الله، ونقف أمامه ونحدثه..و نضم أنفسنا إلى صفوف الملائكة الواقفة أمام عرشه تسبحه وتبارك اسمه، وتتبارك بالوجود في حضرته.
حقاً إنه الخالق، أن يسمح لنا نحن مخلوقاته بهذه الدالة: أن نكلمة وبسمعنا.
لذلك عار كبير وخطية كبرى، أن تقول:
ليس لدى وقت للصلاة..!!
هل يجرؤ العبد أن يقول إنه ليس لديه وقت للكلام مع سيده؟! عجيب بالأكثر أن المخلوق ليس لديه وقت للحديث مع خالقه!!
إن أموراً عديدة وتافهة تجد لها وقتاً..
و محادثات لا قيمة لها، تجد لها وقتاً.
لماذا إذن تحتج بضيق الوقت في الحديث مع الله؟!
إن داود النبى كان ملكاً وقائداً وقاضياً للشعب، وله أسرة كبيرة، ومع ذلك يقول للرب
" سبع مرات في النهار وسبحت على أحكام عدلك "
(مز 119) "
عشية وباكر ووقت الظهر " " وفى نصف الليل نهضت لأشكرك.. " "وسبقت عيناى وقت السحر لأتلو في جميع أقوالك " (مز 119)
المشكلة لا تكمن إذن في الوقت، إنما في الرغبة.إن كانت لديك رغبة في الصلاة، فلا شك ستجد وقتاً.
المشكلة لا تكمن إذن في الوقت، وإنما في الرغبة. إن كانت لديك رغبة في الصلاة، فلا شك ستجد وقتاً.
ثم يجب أن تعرف أن الصلاة بركة لك. وأنك فيها تأخذ، ولست تعطى. هل تظن أنك تعطى الله وقتاً حينما تصلى؟!وهل الله محتاج إليك أو إلى صلواتك؟!أم أنت تأخذ في الصلاة قوة ومعونة وبركة،وتأخذ لذة روحية ومتعة بعشرة الله، وحلاً لمشاكلك..؟!
يجب أن تتغير فكرتك عن الصلاة، لكى تدرك تماماً أنك ضائع بدونها، وأنها عكازك الذى تستند إليه.
إن عرفت هذا، ستعتمد عليها كواسطة روحية أساسية في حياتك.
وبعد،
أترانى استطيع في هذا المقال أن أحدثك عن كل ما يتعلق بالصلاة؟! كلا، وإنما بعد كل هذا أتركك لتصلى،
ولكى تذكرنى أيضاً في صلاتك.
قداسة البابا شنودة الثالث