العلمانيون الأقباط يبحثون عن مخرج
بعد حكم الإدارية العليا الذي فجر الأزمة بين الكنيسة والقضاء، كانت للكاتب والمفكر كمال زاخر مساهمات عديدة ومداخلات متعددة عبر الفضائيات والصحف، وكان في بعضها طرفا في مواجهة رجال الكنيسة، عكست هذه المواجهات رؤية واضحة لدي كمال زاخر في حكم الطلاق والزواج الثاني في المسيحية، وهي مداخلات ترتكن في الأساس إلي رؤية مدنية ليس لأمور الأقباط فقط، ولكن في أمور الدولة كلها.
كمال زاخر قرر علي وجه السرعة أن يكون المؤتمر الخامس لمجموعة العلمانيين التي أسسها ويرأسها عن معالجة أزمة الزواج الثاني، وهو المؤتمر الذي ستكون طبيعته قانونية وبحثية بحتة، وستتم مناقشة قانون الأحوال الشخصية الموحد، وأبعاد مضمون الزواج المدني لدي الأقباط.
المؤتمر - الذي لم يحدد كمال زاخر موعدا له حتي الآن - سيكون مختلفا عن المؤتمرات الأربعة السابقة، حيث سيقوم زاخر بدعوة البابا شنودة شخصيا وعددا من رجال الكنيسة ليشاركوا في جلسات المؤتمر بالرأي والمناقشة، لأن القضية لا تهم فئة واحدة من الأقباط ولكنها تهم الجميع.
محاولة كمال زاخر لدعوة رجال الكنيسة وعلي رأسهم البابا لن تكلل بالنجاح، فقد سبق وأن دعا عددا من قيادات الكنيسة لحضور المؤتمرات السابقة لكن أحدا لم يلب دعوته، بل كانت هناك تهديدات وتحذيرات لرجال الكنيسة من المشاركة في مؤتمرات العلمانية بعد أن تم تشويهها وتوصيفها علي أنها مناوئة للبابا وسياساته.
يحمل كمال زاخر رؤي محددة - كما قال لي قبل ذلك - في مسألة تصاريح الزواج الثاني، فالكنيسة تعاقب من يقترف جريمة الزني عقابا أبديا، ولا يوجد مطلقا عقاب أبدي لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الدينية، فالقانون يعاقب المجرمين عقابا مؤقتا، والدين يضع التوبة شرطا للعودة، لكن الأزمة أن الكنيسة تقبل توبة التائبين من الزني، لكنها لا تمنحهم تصريحا ثانيا، لأنها لا تستأمن الرجل الذي يزني علي امرأة أخري، ولا تستأمن المرأة التي تزني علي رجل آخر.
لقد أشار كمال زاخر إلي طريقة الأنبا كيرلس في معالجة مسألة الطلاق، كان يذهب إليه الزوجان ويقولان له إنهما يريدان أن ينفصلا، فيقول لهما تعالا لي السنة القادمة، وأنا أعطيكم الطلاق، وعندما يأتيان إليه وتكون المشكلة لاتزال قائمة يقول لهما تعاليا لي السنة القادمة، وعندما يأتيان وتكون المشكلة قائمة يقول لهما خذا حكما من المحكمة وأنا أمنحكما تصريحا بالزواج، وفي خلال السنوات الثلاث يرسل البابا كيرلس إليهما من يحاول أن يصلح بينهما، وعندما يجد أن العشرة استحالت يطلقهما.
كل ما يقوله كمال زاخر ينكره عليه رجال الكنيسة، ولذلك فإن أحدا لن يشاركه مؤتمره من رجال الكنيسة، لأن ما في العقل في العقل ، وما في القلب في القلب ...وهذه هي المشكلة.
قانون الستة الكبار يلغي تطبيق الشريعة الاسلامية علي غير المسلمين
مسكينة السجادة المصرية التي كنا نجلس عليها كعائلة واحدة.. ولم نعرف كيف نحتفظ بها كميراث وطني مشترك.
لو أضرم أحد النار في طرفها.. لا نحاصر النار.. ونمنع امتدادها.. بل نسكب عليها البنزين.. ونزيدها اشتعالا.
لقد حدث ذلك في أزمة الكنيسة والدولة التي تفجرت عقب الحكم باستخراج تصريح زواج ثان للمسيحي المطلق من زوجته ورفض البابا تنفيذه إيمانا منه بأنه يخالف تعاليم الإنجيل.
والحقيقة أن الصدام القانوني بين الدولة والكنيسة معلق منذ خمسين سنة دون حل.. المحاكم تطبق لائحة الأحوال الشخصية الصادرة عن المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس.. والكنيسة ترفضها.. وتعتبرها مخالفة لأحكام الإنجيل التي لا تجيز الطلاق إلا لعلة الزني.. وهو ما جعل الكنيسة تبدو كأنها فوق القانون.. أو دولة داخل الدولة.
يقول الدكتور سمير تناغو استاذ القانون المدني بحقوق الإسكندرية وأكثر المختصين فهما في تشريعات غير المسلمين : إن الكنيسة جزء من الدولة.. وتخضع لسلطانها التشريعي.. وليس لها الحق في صياغة قوانين رعاياها.. وتظل الدولة مصدر القانون وقوة تنفيذه ولو فوضت الكنيسة بوضع قواعد موضوعية تحكم زواج وطلاق المسيحيين وأحوالهم الشخصية.
لكن.. ذلك لا يعني أن الدولة وهي تضع تشريعاتها يمكن أن تمس العقيدة المسيحية أو تجبر أنصارها علي مخالفتها.
إن أخطر نص قانوني تسبب في الصدام بين الدولة والكنيسة هو نص المادة الثالثة من القانون رقم واحد لسنة 2000 بتطبيق الشريعة الإسلامية علي المسيحيين دون مبرر عند اختلاف الملة أو الطائفة.. وهو نص فتح الباب أمام تعدد الزوجات في المسيحية لولا أن تدخلت محكمة النقض وأغلقته.. معترفة بعيب جوهري في القانون.. دون أن تقترب من باقي العيوب.
وبادر الدكتور سمير تناغو هو ومجموعة من اساتذة القانون المدني والقانون الدولي الخاص هم الدكتور منصور مصطفي منصور والدكتور محمد لبيب شنب والدكتور هشام صادق والدكتور فؤاد عبد المنعم رياض والدكتور أحمد حشمت الجداوي بوضع مادة بديلة لتلك المادة المعيبة ترفع الحرج وتفرج الضيق وتجهز علي الاحتقان. وحسب ما اقترحوه فإنه مادة (1) : يستبدل بنص المادة (3) من القانون واحد لسنة 2000 النص الآتي : " يرجع في المسائل التي كانت تعتبر من الأحوال الشخصية والتي صدر بشأنها قانون موحد بالنسبة للمصريين جميعا إلي نصوص القانون المذكور".
إذا اختلف غير المسلمين في الديانة أو الملة أو الطائفة فيرجع في الشروط الشكلية والموضوعية لصحة الزواج إلي شريعة كل من الزوجين وقت الزواج. أما آثار الزواج فتسري عليها شريعة الزوج وقت انعقاد الزواج. وتسري علي الطلاق الشريعة التي ينتمي إليها الزوج وقت الطلاق. وتسري علي التطليق والانفصال الشريعة التي ينتمي إليها الزوج وقت رفع الدعوي ".
ويجوز لغير المسلمين عقد زواج مدني إذا تعذر عقد زواج ديني طبقا للشروط والإجراءات التي يحددها وزير العدل ويخضع هذا الزواج في آثاره وانحلاله لأحكام الفقرة السابقة".
وإذا كان أحد الزوجين مسلما وقت انعقاد الزواج فتسري الشريعة الإسلامية وحدها. ويسري نفس الحكم إذا أسلم أحد الزوجين بعد انعقاد الزواج سواء كان تحوله إلي الإسلام قبل رفع الدعوي أو بعدها. وإذا كان الزوج هو الذي تحول إلي الإسلام بعد انعقاد الزواج يكون للزوجة غير المسلمة الحق في طلب فسخ عقد الزواج".
يلغي النص المقترح تطبيق الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين عند اختلاف الطائفة أو الملة.. وكأن تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه الحالات يعطي الزوج المسيحي إرادة منفردة بالزواج والطلاق وهو ما ترفضه الكنيسة التي يصعب عليها التضحية بتفسيراتها الدينية بسبب ضغوط اجتماعية أو سياسية.
لكن.. في الوقت نفسه تبدو الكنيسة المصرية بعيدة عن التغيرات والتطورات التي تعيشها المسيحية خارجها.. فقد توسعت اجتهادات صائبة للإنجيل في إباحة الطلاق وتيسيره.. كما أن حقوق الإنسان تعارض أن تستمر العشرة بين زوجين رغما عنهما.
في 11 أكتوبر 2006 أصدرت المحكمة الفيدرالية الألمانية حكما وصفه الدكتور سمير تناغو بأنه حكم تاريخي.. قررت تلك المحكمة أن أحكام الشريعة الكاثوليكية التي لا تجيز الطلاق تخالف النظام العام في البلاد.. وكان النزاع المعروض أمامها يخص زوجين سوريين كلدانيين من الكاثوليك.. وحسب قواعد تنازع القوانين فإن القانون الواجب تطبيقه هو القانون السوري الذي ينص في هذه الحالة علي تطبيق الشريعة الكاثوليكية.
لكن.. المحكمة وجدت أن أي قانون أجنبي لا يجيز التطليق هو قانون مخالف للنظام العام في ألمانيا.. ولا يجوز تطبيقه حتي لو كان هو القانون الواجب التطبيق أصلا.
وقالت المحكمة : " إن الزواج علاقة إنسانية لا يجوز إجبار أي زوج علي الاستمرار فيها وإلا فقد الزواج معناه".
ويعتقد الدكتور سمير تناغو أن الكنيسة المصرية لن تقتنع بالطلاق مهما سيق لها من حجج عقلية واجتماعية وسياسية.. فهي " لا تساوم أبدا في الدين مهما كان السبب ".. والطريقة الوحيدة لاقناعها هي الرجوع إلي أقوال السيد المسيح كما جاءت في الإنجيل.
ومن المعروف أن الزني الفعلي يصعب أو يستحيل إثباته.. وهناك اجماع علي ما يسمي بالزني الحكمي الذي يعتبر القرينة تكفي لحدوث الزني الفعلي.. والكنيسة تقبل فكرة الزني الحكمي.. حيث ذكرت المادة (115) من مشروع القانون الموحد ــ الذي تقدمت به جميع الطوائف المسيحية في مصر منذ ثلاثين سنة ــ ست حالات تدل علي الخيانة الزوجية.. منها هروب الزوجة مع رجل غريب.. أو ظهور خطابات غرامية ".. أو تسجيل مكالمات تليفونية.. مثلا.
ولو كانت الكنيسة المصرية تقبل بالزني الحكمي فإن السيد المسيح " أخذ بمعني واسع للزني يتخطي الزني الفعلي والزني الحكمي " حين قال عليه السلام " من نظر إلي امرأة ليشتهيها فقد زني بها في قلبه ".. وبالطبع لو نظرت امرأة إلي رجل لتشتهيه فقد زنت به.. " ولم يكن السيد المسيح يتحدث عن حالة افتراضية نادرة بل كان يتحدث عما يحدث فعلا في المجتمع في كل وقت.. فهو يعرف طبيعة البشر وما يجول بخواطرهم".
ويضيف الدكتور سمير تناغو : " ونحن نستطيع أن نجزم بأنه في كل أسباب التطليق المنصوص عليها في لائحة عام 1938 يحدث الزني بالقلب والنظر حتما لأن الزواج قد زال وولي واصبح كل من الزوجين عرُضة لكل الإغراءات والشهوات خاصة إذا حرمنا كلا منهما من الحق في استرداد حريته والزواج مرة أخري".
والأسباب الواردة في تلك اللائحة تشمل بجانب الزني وخروج أحد الزوجين عن الدين المسيحي غياب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية.. والحكم علي أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر.. وإصابة أحد الزوجين بجنون مطبق.. أو بمرض معد.. أو إصابة الزوج بالعجز الجنسي الذي لا شفاء منه.. وإذا اعتدي أحد الزوجين علي حياة الآخر.. أو اعتاد إيذاءه إيذاء جسيما.. وإذا انغمس أحد الزوجين في الرذيلة.. وأخيرا إساءة المعاملة التي تؤدي إلي فرقة ثلاث سنوات متوالية.
إذا تحقق سبب من هذه الأسباب فإن الزني بالعقل والقلب والعين يقع حتما وهو زني حقيقي حسب قول السيد المسيح".
وعند اعتراض السيد المسيح علي قول موسي بأن تعطي كتاب طلاق فتطلق فهو اعتراض علي السهولة البالغة في الطلاق الذي يقع بمجرد كتاب يكتبه الزوج.. واشترط أن يكون سبب الطلاق قويا.. وليس مجرد إرادة الزوج أو هواه.. واشترط أن يكون السبب هو الزني.. ثم جاء بعد ذلك في نص آخر وأعطي تعريفا واسعا جدا للزني يشمل الزني بالنظر والقلب.. وهو ما يحدث قطعا في كل حالات الضرر والمرض المعدي والإيذاء والغياب الطويل والسجن.. ونأمل أن تقبل الكنيسة هذا المعني الواسع للزني الذي يستند إلي قول السيد المسيح".
والكل قد وقع في هذا النوع من الزني فقد اعترف الرئيس (الأمريكي) المتدين جيمي كارتر بأنه وقع مرات عديدة في شهوة الزني بالنظر والقلب ووقع فيه أيضا القديس سمعان الخراز الذي قلع عينه بسببه أخذا بوصية المسيح".
وإذا كان يجوز قلع العين بسبب الزني بالنظر ألا يجوز الطلاق وهو أقل من قلع العين بكثير.. المسألة تحتاج إلي إاعادة تفكير فعلا من جانب الكنيسة".
وينتقل الدكتور سمير تناغو إلي زاوية أخري في القضية الشائكة قائلا : إن الكنيسة ليست طرفا في أحكام التطليق التي لا تعترف بها.. ويظهر دور الكنيسة عندما يذهب من حصل علي حكم بالطلاق إليها لتعقد له زواجا ثانيا دينيا ومدنيا معا.. ولكن.. لا أحد يجبرها أبدا علي عقد زواج ديني لشخص تري أنه لا يزال مرتبطا بزواجه السابق.
ولحل المشكلة التي عاني منها المطلق الذي لا تعترف الكنيسة بطلاقه لابد من تمكينه من عقد زواج مدني فقط وفقا للإجراءات والشروط التي يحددها وزير العدل.. وبطبيعة الحال يكون هذا الزواج صحيحا وتعترف به الدولة ولو لم يجر بالشكل الديني.
ومع ذلك يظل هذا الزواج خاضعا من حيث آثاره وانحلاله للشرائع المسيحية طبقا للتعديل المقترح من أساتذة القانون الستة الكبار السابق التركيز عليه.
وزواج المسيحيين في مصر زواج ديني ومدني معا.. فحسب لائحة 1938 فإن الزواج " سر مقدس يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة ارتباطا علنيا طبقا لطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بقصد تكوين أسرة جديدة والتعاون معا في شئون الحياة ".. فلا يكفي لانعقاد الزواج توافر الشروط الموضوعية مثل الأهلية والرضا وانتفاء الموانع وإنما يلزم أن يكون الزواج علنا وفق طقوس دينية مرسومة تعتبر صلاة الأكليل هي التي تحل النساء للرجال والرجال للنساء وإلا كان الزواج باطلا.
ويباشر رجل الدين أو الكاهن العقد المدني باعتباره موثقا منتدبا من وزارة العدل وهو في الوقت نفسه يقوم بصلاة الإكليل.
وفكرة الجمع بين الديني والمدني معا فكرة فريدة من نوعها لم يعد لها وجود في الدول الغربية والمسيحية عموما فقد فصلت بشكل واضح بين الزواج المدني والزواج الديني.
والزواج المدني المقترح حلا أخيرا في الحالات الاستثنائية السابق ذكرها يختلف تماما عن الزواج المدني في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وغيرها. كانت فرنسا أسبق الدول الأوروبية والمسيحية في الفصل بين الزواج المدني والزواج الديني.. فأول دستور بعد الثورة الفرنسية (دستور 1791) نص منذ أكثر من قرنين علي أن " القانون لا يعتبر الزواج إلا عقدا مدنيا ".. بل إن قانون العقوبات هناك يقضي بمعاقبة الكاهن الذي يعقد زواجا دينيا قبل أن يتأكد من عقد الزواج المدني ".
أما في مصر التي راعت المشاعر الدينية لمواطنيها المسيحيين فإن الزواج لا ينعقد صحيحا إلا بصلاة الإكليل فينعقد الزواج دينيا ومدنيا في نفس الوقت.. وسيظل الزواج هكذا لفترة طويلة قادمة لأن الدين لا يزال يشغل حيزا كبيرا في حياة المصريين".
أما في الحالات الاستثنائية التي ترفض فيها الكنيسة عقد الزواج الديني ــ بعد صدور حكم قضائي نهائي بالتطليق ــ فإن الدول لا تستطيع أن تتخلي عن مواطنيها المطلقين الذين يرغبون في عقد زواج ثان.. ويجب أن يصدر وزير العدل قرارا بتنظيم إجراءات عقد الزواج المدني للمسيحيين في هذه الحالات وأن تراعي في هذا الزواج شروط الأهلية والرضا وانتفاء الموانع وأن يقيد الزواج في سجلات خاصة بالمصريين غير السجلات التي تخص الأجانب.. وبجانب ذلك يظل هذا الزواج خاضعا في أحكامه وآثاره وانحلاله للشرائع المسيحية المختلفة طبقا لقواعد تنازع القوانين وبعد إجراء التعديل المطلوب علي المادة الثالثة من القانون رقم واحد لسنة 2000.
وهناك أمل بطبيعة الحال إلا تدعو الحاجة إلي وضع هذا النظام المدني الاستثنائي إذا أخذت الكنيسة في يوم ما بالتفسير الواسع لمعني الزني".
تاريخ نشر الخبر : 29/06/2010
الأزمة بين الكنيسة والقضاء تنتهي علي أعتاب الدولة المدنية
يدت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر في 2010/5/29 ما انتهت إليه محكمة القضاء الإداري بإلزام الكنيسة المصرية باستخراج تصريح زواج للمسيحي المطلق من زوجته، وفي أعقاب صدور هذا الحكم صرح البابا شنودة الثالث بأنه لا توجد قوة تستطيع إرغامه علي مخالفة تعاليم الإنجيل.
وهكذا تفجر الخلاف بين القضاء المصري والكنيسة القبطية الأرثوذكسية للمرة الثانية خلال سنتين بعد أن تكرر هذا السيناريو الذي سبق حدوثه عام 2008 حينما صدر حكم مماثل عن نفس المحكمة أعلن البابا في أعقابه أن الحكم غير ملزم للكنيسة: «فنحن لا تلزمنا إلا تعاليم الإنجيل المقدس»، مما اضطر أكبر متخصص في الجامعات المصرية في شئون الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين وهو الزميل الأستاذ الدكتور. سمير تناغو لأن يكتب مقالا مهما نشرته لـــــه جريدة الأهرام في عددها الصادر في 2008/4/5 بعنوان «رأي قانوني في الخلاف بين الكنيسة والقضاء» قال فيه إن هذا الخلاف قد وصل إلي حد لا يمكن السكوت عليه، وعلي المشرع أن يتدخل لحل هذه المشكلة حتي لا تتفاقم الأمور أكثر من ذلك. واقترح الأستاذ الكبير في ذلك الوقت إقرار الدولة لمشروع قانون سبق أن أعدته لجنة مشكلة من أكبر أساتذة القانون في الجامعات المصرية، كان لكاتب هذه السطور شرف عضويتها، انتهت فيه عدة اقتراحات من بينها إتاحة الفرصة للمسيحي المطلق الذي ترفض الكنيسة عقد زواج ديني له، أن يعقد زواجا مدنيا إن أراد وفقا للشروط والإجراءات التي يحددها وزير العدل. ويخضع هذا الزواج في آثاره وانحلاله للشرائع المسيحية، وذلك من منطلق حق الدولة في التنظيم التشريعي الوضعي لزواج مواطنيها بصرف النظر عن دياناتهم، وهو حق قائم علي أساس أن الدولة المدنية لا تستطيع أن تتخلي عن مسئوليتها في مواجهة مواطنيها المسيحيين الذين يرغبون في الزواج وترفض الكنيسة تزويجهم استنادا إلي ما تراه التفسير الصحيح للكتاب المقدس. ونبه الدكتور سمير تناغو في مقاله السابق الإشارة إليه، وبحق، إلي أن حكم المحكمة الإدارية العليا لا يؤدي بحسب منطوقه إلي إبرام عقد زواج ديني أمام الكنيسة.
فالحكم يلزم الكنيسة باستخراج تصريح زواج للمسيحي المطلق. وتصريح الزواج ليس هو الزواج، لأن الزواج لا يتم في الشريعة الأرثوذكسية بمجرد التصريح به، ولكن يتم بصلاة الإكليل، فهذه الصلاة بالذات، إلي جانب تراضي الطرفين، هي التي تنشيء الزواج وفقا لهذه الشريعة، التي لا تكتفي برضاء الزوجين لانعقاده وإنما تستلزم أيضا إرادة ثالثة هي إرادة الرب ومباركته لهذا الزواج من خلال صلاة الإكليل التي تحلل الرجال للنساء والنساء للرجال كما تقول محكمة النقض المصرية في تعريفها للزواج القبطي الأرثوذكسي. والمحكمة الإدارية العليا لم تلزم الكنيسة بإقامة صلاة الإكليل التي بدونها لا يقوي الزواج، كما أن القضاء لا يستطيع أن يصدر حكما للكنيسة أو لأي مواطن عادي بإقامة الصلاة، أيا كان نوع الصلاة، لأن الصلاة عمل شخصي وروحي لا يمكن أن يكون موضوعا لحكم قضائي.
ولهذا اكتفت المحكمة الإدارية العليا في منطوق حكمها بإلزام الكنيسة باستخراج تصريح زواج للمسيحي المطلق من زوجته دون أن تأمرها بإقامة صلاة الإكليل وهو ما لا تملكه، ومن ثم بقيت مشكلة المصري المسيحي المطلق لسبب غير الزني قائمة دون حل. فهو لا يستطيع أن يعقد زواجا دينيا، والقضاء لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، كما أن التشريع الوضعي القائم لم ينظم أوضاع الزواج المدني للمسيحي الأرثوذكسي مادام أنه يتمتع بالجنسية المصرية.
ومن هنا كانت أهمية الحل التشريعي المقترح بتنظيم الزواج المدني في هذه الحالة، وهو حل ترددت الدولة في الإقدام عليه إلي أن دب الخلاف مرة أخري حول هذه المشكلة بمناسبة صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في مايو 2010، واتخذ هذه المرة أبعاداً أشد خطورة هي التي دفعتني إلي كتابة هذا المقال لأضم صوتي بقوة إلي صوت الزميل الدكتور سمير تناغو في شأن ضرورة تدخل الدولة العاقل لحل هذه المشكلة من خلال فكرة الزواج المدني علي النحو الذي بيناه، وهي فكرة ترسخ مفهوم الدولة المدنية التي ندعو إليها، والتي لا تتردد في إعلان مسئوليتها عن مشاكل مواطنيها بصرف النظر عن دياناتهم في ضوء ما تراه محققا لمبادئ حقوق الإنسان دون إجبار لمواطنها المسيحي المطلق علي اتباع هذا السبيل، ودون تدخل في شئون السلطة الدينية التي يتبعها.
وأمام الدولة هذه المرة فرصة تاريخية لإقرار هذا الحل التشريعي بعد أن أعلن البابا شنودة الثالث في تصريحه المهم الذي نشرته المصري اليوم في عددها الصادر بتاريخ 2010/6/7 موافقته علي هذا الاقتراح، حينما قرر أنه لا توجد قوة علي الأرض تستطيع إرغام الكنيسة علي مخالفة تعاليم الإنجيل، ولكن «من حصل علي حكم قضائي بالطلاق ويريد الزواج فليس أمامه إلا الزواج المدني»، وهو ما يعني أن رئيس السلطة الدينية للمصريين الأرثوذكس وإن كان يرفض إجباره علي اتباع أي تفسير يراه خاطئا للكتاب المقدس، فإنه لا يمانع مع ذلك في أن يتزوج المصري المسيحي في الشكل المدني إن أراد وفقا للتشريعات الوضعية التي تصدر عن دولته وفقا لسياستها التشريعية المحايدة التي تعبر عن احترامها لكافة الأديان ولا تنطوي في نفس الوقت علي تدخل مباشر في شئون السلطة الدينية أو إجبارها علي إقامة صلاة في غير الحالات التي تراها متفقة مع صحيح الدين.. وهذا هو المفهوم الصحيح للدولة المدنية الحديثة التي لا تتخلي عن مسئوليتها تجاه مواطنيها بصرف النظر عن دياناتهم دون تدخل في شئون السلطة الدينية التي عبرت بدورها عن مفهومها العميق لهذه الحقيقة من خلال تصريح البابا الأخير، ولعل هذا الفهم المشترك لمفهوم الدولة المدنية هو اللحظة التاريخية المناسبة للتدخل التشريعي المقترح الذي بات ضروريا لإعلاء فكرة الدولة المدنية الحديثة والانتصار المتطلب لحقوق الإنسان. فقد حان الوقت لإتاحة الفرصة للمصري المسيحي المطلق الذي ترفض الكنيسة عقد زواج ديني له أن يعقد زواجا مدنيا إن أراد وفقا للشروط والإجراءات التي يحددها وزير العدل مع إخضاع هذا الزواج في آثاره وانحلاله للشرائع المسيحية ووفقا لتفسيراتها الموسعة التي تأخذ بها مجتمعات أخري متقدمة.
بل ولعل من المناسب انتهاز هذه الفرصة أيضا لإقرار المبدأ الثاني الذي تضمنه مشروع القانون السابق إعداده من مجموعة أساتذة القانون المصريين في شأن التعديل التشريعي المقترح للمادة الثالثة من القانون رقم (1 لسنة 2000) والتي تقضي بتطبيق الشريعة الإسلامية علي المسيحيين في حالة الاختلاف في الملة أو الطائفة، وهو ما يخالف قصد المشرع والمبادئ القانونية السليمة ومبادئ حقوق الإنسان، بل ويخالف سماحة الإسلام التي حرص عليها خاتم المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم حينما أمر قضاة المسلمين بأن يطبقوا علي زواج أهل الكتاب من غير المسلمين شرائعهم. ولهذا فقد اقترحت اللجنة في حالة اختلاف الزوجين غير المسلمين في الطائفة أو الملة حل هذا التنازع الداخلي بين الشرائع غير الإسلامية من خلال قواعد مشابهة لقواعد حل التنازل الدولي للقوانين التي أقرها المشرع المصري في المادة 12 وما بعدها من المجموعة المدنية، مثل إخضاع الشروط الموضوعية للزواج لشريعة كل من الزوجين غير المسلمين عند الزواج (مادة 12)، وإخضاع آثار هذا الزواج لشريعة الزوج وقت انعقاد العقد (المادة 1/13) والرجوع في شأن انقضاء الزواج بين غير المسلمين إلي شريعة الزوج عند الطلاق أو عند رفع دعوي التطليق أو الانفصال (مادة 2/13).
أما فيما لو كان أحد الزوجين مسلما فلن يعترض أحد علي تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا الفرض عملا بمفهوم المادة الثالثة من القانون رقم (1 لسنة 2000)، وهو نفس الحكم الواجب الاتباع من باب أولي بالنسبة للزواج القائم بين زوجين مسلمين تطبيقا لأحكام التشريع الوضعي القائم والمأخوذ عن أحكام الشريعة الغراء وأرجح الأقوال من مذهب الأمام أبي حنيفة فيما لم يرد بشأنه نص. وأخيرا فقد حرص مشروع القانون المقترح في إصلاح العيب الثالث والجسيم في المادة الثالثة من القانون رقم (1 لسنة 2000) في شأن تنظيم أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية التي تقرر تعدد القوانين في جميع هذه المسائل بالرغم من أن القانون قد تم توحيده في شأن معظمها بالنسبة للمصريين جميعا بغض النظر عن الاختلاف في الديانة أو المذهب.. لقد آن أوان التدخل التشريعي المرتقب الذي نرجو أن تقدم عليه الدولة دون تأخير أو تردد لوضع الحلول المناسبة لمشاكل اجتماعية يؤدي الخلاف بشأنها بالصورة القائمة إلي مساس غير مقبول بأحد أهم ملفات الأمن القومي المصري الثلاث وهو ملف الوحدة الوطنية. لقد حاول القضاء المصري أن يقدم من جانبه الحل المتاح بالنسبة لمشكلة الزواج الثاني للمسيحي المطلق، وهي مشكلة يعلم الجميع أن إخواننا المسيحيين قد عانوا منها الكثير رغم مشاعرهم المعلنة المؤيدة للموقف الحالي لكنيستهم الوطنية والتي أحترمها وأتفهم دواعي حرصهم عليها، وهو حل قضائي رأينا علي أية حال صعوبات تنفيذه خاصة في ظل ردود أفعال تقوم علي المشاعر الدينية التي تزايدت حدتها في عصر العولمة الذي نعيش أيامه، والذي نال إلي حد كبير من هيبة الدولة في وقت يستحيل فيه الإصلاح بغير تدخلها الفاعل الذي يجب أن يقوم علي حكمتها والإعمال الصحيح لقواها الناعمة، بعد أن ولي زمان الاعتماد علي القوة الغاشمة التي تحركها اعتبارات أمنية، لتصبح سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان هي المصادر الحقيقية لقوة الدولة المدنية الحديثة
تاريخ نشر الخبر : 29/06/2010
ثورة الإنجيليين والكاثوليك علي قانون البابا شنودة
محمد الباز كانت الأمور تسير بشكل طبيعي جدا، وزير العدل أجري اتصالا هاتفيا بالدكتور صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية، طلب منه أن يرشح ممثلا عن الطائفة ليكون عضوا في اللجنة التي تشكلت لصياغة قانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين.
لم يفكر الدكتور البياضي، علي الفور أخبر وزير العدل أنه يرشح الدكتور إكرام لمعي أستاذ اللاهوت وأحد قيادات الكنيسة الإنجيلية ليكون ممثلا للطائفة في اللجنة، وبالفعل تم نشر تشكيل اللجنة في الصحف، وكان مصدر الخبر وزير العدل، الذي شكل اللجنة بعد أن تلقي تكليفا مباشرا من الرئيس مبارك بحل المشكلة التي فجرها البابا شنودة بعد حكم الإدارية العليا بإلزام بابا الأرثوذكس بإصدار تصريح زواج ثان للمطلقين الأقباط بحكم المحكمة.
يوم الخميس 10 يونيه كان الاجتماع الأول للجنة، لم يحضره ممثلو الطوائف، حضره فقط المستشارون الأربعة، وقيل وقتها إنه مجرد اجتماع تمهيدي لوضع جدول أعمال، وتحديد الخطوط الأساسية للقانون، حتي تكون هناك نقاط محددة للنقاش، عندما يشارك ممثلو الطوائف.. بعد الاجتماع الأول قررت اللجنة أن يكون الاجتماع التالي يوم الخميس 17 يونيه، وتصادف أن إكرام لمعي سافر إلي بيروت يوم الأحد، وكان موعد عودته السبت 19 يونيه، بما يعني أنه لن يستطيع أن يحضر الاجتماع الأول.
وهو في بيروت تلقي إكرام إتصالا من صفوت البياضي، وقال له إن اللجنة ستجتمع الخميس ولابد أن تكون موجودا، وكلمه الأنبا يوحنا قلته ممثل الكاثوليك في اللجنة وقال له:من الضروري أن نتقابل قبل موعد انعقاد اللجنة علي الأقل بنصف ساعة حتي يتم التنسيق بيننا.
أخبر إكرام لمعي صفوت البياضي أن تذكرة عودته يوم السبت، وطلب منه أن يحاول تأجيل موعد اجتماع لجنة القانون إلي السبت، بعد ساعات رد عليه صفوت البياضي بأن تأجيل موعد اللجنة مستحيل، وكان الحل الأخير أن يقدم إكرام موعد عودته من بيروت وهو ما حدث فعلا.
عاد إكرام لمعي من بيروت صباح الخميس، وخرج من المطار إلي وزارة العدل مباشرة حيث تعقد اللجنة اجتماعها، دخل إكرام قاعة الاجتماع فوجد الأنبا يوحنا قلته موجودا، ووجد كذلك المستشارين الثلاثة ممثلي الكنيسة الأرثوذكسية، كانوا في انتظار وصول المستشار عمر الشريف رئيس اللجنة، والمستشار مكرم لمعي وهو مستشار إنجيلي تم تعيينه في اللجنة من قبل وزارة العدل.
يقول إكرام لمعي عن اللحظات الأولي له في اللجنة:عندما دخلت إلي القاعة وجدت أن المستشارين الأرثوذكس غير مرتاحين لوجودي، أحدهم قال بشكل عابر دون أن يوجه الكلام لي:نحن لم نطلب مندوبين من الكنائس في اللجنة، وهنا أدركت أنهم لا يرغبون في وجودي.. دخل رئيس اللجنة المستشار عمر الشريف وقبل أن يبدأ الاجتماع قال لإكرام:نحن نعتذر لحضرتك لأن اسمك ليس موجودا معنا في اللجنة، فرد عليه إكرام بأنه تلقي رسالة رسمية من رئيس الطائفة أخبره فيها أنه عضو في اللجنة، وأن وزير العدل أصدر قرارا بذلك، فقال الشريف:لا مانع بالطبع أن تكون موجودا بس حضرتك تجيب لنا جواب من الطائفة بذلك.
الموقف كان سخيفا ما في ذلك شك، وقد حاول المستشار مكرم لمعي أن يخفف من وطأته فقال للمستشار عمر الشريف إنه لن يستطيع أن يكون في اللجنة بمفرده كممثل للإنجيليين وأنه يريد أحدا معه، فقال الشريف:لا توجد أدني مشكلة ولكن المهم أن يكون لدينا جواب من الطائفة.
لم يتحمل إكرام لمعي هذه المناقشة الضاغطة علي أعصابه، فانسحب من الاجتماع وفي نيته ألا يعود مرة أخري لا بجواب من الطائفة ولا بدون جواب، فما حدث كان كافيا جدا.
قلت لإكرام لمعي:لقد حاولت أن توحي أن البابا شنودة كان وراء استبعادك من اللجنة من خلال بعض التصريحات الصحفية؟ قال:لم أقل ذلك بشكل مباشر، لكنني لا أستبعد أن يكون للبابا شنودة دور في الأمر، فالمستشارون الأرثوذكس لا يقومون بأي شئ دون أن يرجعوا إلي البابا شنودة، وقد عرفت أنهم يأتون إلي اجتماع اللجنة قادمين من مكتب البابا شنودة للتنسيق معه، ويخرجون من الاجتماع إلي مكتب البابا لإطلاعه علي ما تم في الاجتماع، وعندما يبدون عدم ارتياحهم لوجودي، فإن الأمر ليس مصادفة، لكنه كان معدا له من قبل.
أبديت تحفظي فلا يوجد دليل علي ما يقوله إكرام لمعي إلا إحساسه فقط، لكنه قال لي:المستشارون الأرثوذكس الموجودون في اللجنة التي تصيغ القانون لا يرفعون قدما ولا يدا إلا بأمر مباشر من البابا شنودة، والعارفون بالكنيسة وأسرارها يعلمون جيدا أنه لا أحد منهم يستطيع أن يأخذ قرارا دون أن يعود للبابا.
كان رد فعل الطائفة الإنجيلية علي ما جري لممثلهم غاضبا، أعلن القس الدكتور صفوت البياضي استياءه الشديد، كان هناك في اليوم التالي (الجمعة 18 يونيه) اجتماع للمجلس الملي الإنجيلي (يتكون من 19 عضوا) وقد حضره قيادات الكنيسة الإنجيلية حتي أصبح العدد ثلاثين، كان موعد الاجتماع محددا من قبل لمناقشة مطالب الطائفة في القانون الموحد.
في الاجتماع توصلت الطائفة الإنجيلية إلي أنها لن توقع علي قانون الأحوال الشخصية إن لم يراع مطالبها ووجهة نظرها، فلو راعي القانون ما يريده البابا شنودة فقط، فهنا القانون سيكون قانون الأحوال الشخصية للأرثوذكس، وليس قانوناً موحداً للطوائف المسيحية، وإذا صدر القانون بالفعل، فإن الطائفة الإنجيلية ستعد قانونا للأحوال الشخصية خاصا بها، وذلك أسوة بما حدث مع الأرثوذكس، وهو الأمر الذي توافق عليه الطائفة الكاثوليكية أيضا - طبقا لما قاله لي إكرام لمعي.. هذه الكواليس لم تكن كافية، فلم أذهب للمعي في مكتبه طمعا في أسرار ما جري معه فقط، لكن لأعرف ماذا تريده الطائفة الإنجيلية من القانون، وما الذي يراه هو وكان سببا في استبعاده من اللجنة.. يقول الدكتور إكرام لمعي:بالأساس لنا مطلبان، الأول أنه إذا كنا سندخل في القانون الموحد ونوقع عليه، فلابد أن تحترم الكنائس الموقعة طقوس الزواج عند بعضها البعض، فلابد أن تعترف الكنيسة الأرثوذكسية بطقوس الزواج لدي ولابد أن أحترم طقوس الزواج لديها وهكذا، وإن لم يحدث ذلك فلن يكون لدينا قانون موحد، بل سيكون قانون إذعان، وأعتقد أننا لم نعد في عصر يسمح بالإذعان من أحد لأحد.
المطلب الثاني - كما يقول لمعي- في إقرار التبني في القانون الجديد، فلابد أن يتم تقنين التبني، خاصة أن لدي الكنائس الثلاثة مشكلة الآن، فهناك سجناء مسيحيون بسبب التبني، فهو ليس حراما في المسيحية، لكنه جريمة في القانون المصري الذي يأخذ مرجعيته من الشريعة الإسلامية التي تحرم التبني، فالكنيسة لابد أن تنظر إلي هؤلاء السجناء لأن ما فعلوه بالنسبة لهم كان أمرا شرعيا لأن الأطفال الذين يتم تبنيهم مسيحيون وليسوا مسلمين.
قلت له:لكن البابا شنودة أشار إلي أنه سيتنازل عن التبني مراعاة لمشاعر المسلمين؟ فرد:"من حق البابا أن يراعي مشاعر المسلمين، لكن ليس من حقه أن يضحي بنصوص الإنجيل، والأمر في حقيقته غريب جدا، فقد أقام البابا شنودة الدنيا وأقعدها لأنه لا يريد أحدا أن يقترب من نص الزواج في الإنجيل، ثم يأتي ببساطة ويتنازل عن نص إنجيلي صريح خاص بالتبني، فبأي شئ نسمي ذلك؟وإذا كان البابا يريد أن يحافظ علي مشاعر المسلمين، أليس من حقنا أن يحافظ علي مشاعرنا نحن أيضا".. ويكمل إكرام لمعي نظرته أو بالأدق غضبته يقول:"إن نصوص الإنجيل عن التبني هي أساس اللاهوت المسيحي، فهو يقوم علي أن الله تبنانا، ونقول:لم نكن أبناء لكن في المسيح صرنا أبناءه، وفي صلواتنا نقول يا أبانا، فنحن جميعا أولاد الله بالتبني، والإنجيل يقول نصا:"إلي خاصته جاء، وخاصته لم تقبله، وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله (أي المؤمنون باسمه) الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشئية جسد ولا من مشئية رجل بل من الله"، فليس من حق البابا شنودة أن يتنازل عن التبني لأنه واضح وصريح بنصوص الإنجيل.. قلت له هذا عن التبني، فماذا عن الزواج والطلاق، ما الذي تريده الطائفة الإنجيلية في الأمر؟قال:"ليس لدينا أسرار مقدسة كما لدي الأرثوذكس، وهذا لا يمنع أن الزواج ارتباط مقدس، رجل واحد لا مرأة واحدة طوال الحياة، ولا يوجد لدينا طلاق إلا لعلة الزني أو تغيير الدين.
سألته:وما الفرق بينكم إذن وبين الأرثوذكس، هم يقولون ذلك أيضا؟، قال :لا نحن نقبل لائحة 38 تماما، لأن أسباب الطلاق التسعة التي جاءت بها متطابقة تماما مع الإنجيل وليس كما يقول الآخرون.
الأمر يحتاج إلي شرح بالطبع، يقول إكرام :عندما يقول المسيح أنه "لا طلاق إلا لعلة الزنا" ويأخذ البعض هذا القول بأن الزني هو سبب الطلاق الوحيد، فهم يتعاملون مع الأمر علي طريقة"ولا تقربوا الصلاة"، ففي الكتاب المقدس وبعد أن قال المسيح ذلك سألوه:إذن لماذا موسي أعطاهم كتاب طلاق؟فرد عليهم المسيح:أعطاهم كتاب طلاق بسبب قساوة قلوبهم، وقد ترجمت لائحة 38 قساوة القلب هذه بأنها استحالة العشرة وهو تفسير مقبول جدا".. ويضيف لمعي:"هذه واحدة أما الثانية فعندما تقول اللائحة إن الطلاق يتم إذا «أصيب الزوج أو الزوجة بمرض عقلي أو بمرض معدي أو حكم علي أحدهما بالسجن أو غاب أحدهما دون أن يعرف الآخر عنوانه»، فالفكرة هنا أن الطلاق يتم لعلة ما يمكن أن نسميه الزني المتوقع، لأنه في مثل هذه الظروف يمكن أن تكون هناك ضغوط تدفع إلي الوقوع في الزني، وإذا حدث شيء من هذا ولم يشك الزوج أو الزوجة فلا يتم الطلاق، لكن إذا جاءت الزوجة أو الزوج، وقال:أنا لا أستطيع أن أتحمل وأريد أن أحصل علي الطلاق فلابد أن يتم تطليقه فورا، ومنحه تصريح بالزواج أيضا".. ويتعجب إكرام لمعي ممن يضعون الإنجيل في مواجهة القانون، فلا يوجد شئ - كما يقول - اسمه الشريعة المسيحية، فما لقيصر لقيصر وما لله لله، فقد جاء أحدهم للمسيح وقال له:قل لأخي أن يقاسمني الميراث، فقال له:من أقامني عليكم قاضيا أو مقسما، انظر وتحذر من الطمع، والطبيعي أن تخضع الكنيسة للقوانين الموجودة في الدولة الموجودة فيها.
موقف الإنجيليين يختلف عن موقف الكاثوليك، فما يقوله البابا شنودة يقولون أكثر منه، فإذا كان البابا يقر بالطلاق لعلة الزني، فالكاثوليك لا يرون حتي ذلك، فهم يمنعون الطلاق منعا باتا، بل إن أحد الزوجين لو أمسك الثاني متلبسا بالزني، فلا يمنح حق الطلاق، وقد استبدل الكاثوليك الطلاق بما يسمي "الانفصال الجسماني".. وحتي هذا الانفصال ليس مطلقا فله أسبابه وشروطه، فلا يحكم للزوجين بالانفصال إلا إذا زني أحد الزوجين أو هجر أحدهما الآخر، أو إذا ساء سلوك أحد الطرفين بأن ينتمي إلي بدعة غير كاثوليكية أو ربي الأولاد تربية غير كاثوليكية أو سلك سلوكا مجرما أو شائنا.
في القانون الموحد الأول الذي أشرف البابا شنودة عليه واستطاع أن يجمع الطوائف الثلاث عليه دون خلافات، وافق الكاثوليك، فسقفهم أعلي من سقف البابا في التعنت في مسألة الطلاق، وقد رعاهم البابا في قانونه الأول، حيث وصف القانون ما يحدث لديهم بأنه المفارقة بين الزوجين الكاثوليكيين، فلم يقترب من كلمة الطلاق، لكن هذا لا يعني أن الأمور لا تزال كما هي، فهذا القانون مرت عليه أكثر من 32 سنة، تغيرت فيها أمور كثيرة، وهي الأمور التي دفعت إلي إشارة الإنجيليين إلي استعدادهم لصياغة مشروع قانون أحوال شخصية خاصة بهم يتفق مع احتياجاتهم ومع فهمهم للكتاب المقدس، وهو ما سيفعله الكاثوليك أيضا، فقبضة البابا شنودة عليهم لم تعد كما كانت، وهذه هي الأزمة الأساسية.. إن قانون الأحوال الشخصية الموحد لغير المسلمين، وهي الصيغة التي أعلن عنها حتي الآن مهدد بالتفجير من داخله، فالبهائيون أعلنوا أن من حقهم أن يشاركوا في صياغة القانون، فلديهم مشكلات في الزواج ولابد أن يكون هناك قانون يحل لهم مشاكلهم، ثم أنهم غير مسلمين، فلماذا لا يدخلون ضمن لجنة صياغة القانون، وهو ما فعله المسئولون عن الطائفة المعمدانية الكتابية، الذين يعتبرون أنفسهم طائفة مسيحية رابعة إلي جوار الطوائف الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستنات)، وقد حصلت هذه الطائفة علي اعتراف رسمي بالقرار الجمهوري رقم 2 لسنة 1990، وهو ما دفع رئيس الطائفة بطرس فلتاؤس إلي أن يتقدم إلي وزارة العدل بطلب انضمام إلي لجنة صياغة القانون، وأن يكون للطائفة ممثل فيها كما يحدث مع الطوائف الأخري.. هذا القلق يمكن أن ينسف جهود اللجنة، أو علي الأقل يمكن أن تتقلص كل الأحلام المتعلقة بعمل اللجنة، فلا يخرج إلا قانون يناسب الأرثوذكس فقط، ووقتها يكون البابا شنودة قد حقق كل أهدافه مرة واحدة، وليذهب الجميع إلي الجحيم.
تاريخ نشر الخبر : 29/06/2010
وحكايات الخيانة والقتل والكفر لضحايا الطلاق المستحيل
إيريني تحولت من زوجة معذبة إلي مريضة نفسية
لم تكن الامور تسير علي مايرام حينما تعرفت (إيرين) علي (ملاك) كانت يتيمة الأم منذ أن كان عمرها ثلاث سنوات ولديها شقيقان أكبر منها، هاجر كل منهما إلي كندا، لتصبح هي المسئولة عن أبيها بعدهما الذي كانت تلاحقة أمراض الشيخوخة.
كانت ايريني تعاني من شعور قاس بالوحده خاصة انها ليست من النوع الاجتماعي فلم تعقد صداقات مع غيرها من الفتيات تعوضها ع
أُيه يفيد
نبض قـــلـــبـــِے ^_^وانا مش عارف أعيش آَة
يا وجعيِ يا مراريِ يا آلهي طفيّ ناري مش بأقول
هاخد بتاري بس عدلك هو قصدى