ذهبت الأخت المؤمنة إلى جارتها التي كانت تسكن بجوارها لعشرات السنين، وظلت كل يوم تكلِّمها عن شخص المسيح الذي يستطيع أن يغيِّر حياتها ويجعلها إنسانة جديدة. ولكن هذه السيدة كانت قاسية جدًّا ولم تُعِر اهتمامًا قَطّ لكلمات جارتها المُحبة، بل كانت كثيرًا ما تستهزئ بكلامها، رغم أنها لم ترَ من الأخت المؤمنة سوى حياة المسيح الحقيقية.
وكانت كثيرًا ما تستمع لصوت ترنيمها العذب وهي في المطبخ تعمل أمور بيتها. وكثيرًا ما كانت تستمع لصوت الكاسيت وهو يذيع العظات الخلاصية والتشجيعية والتعليمية. وكثيرًا ما كانت ترى طول أناة الأخت المؤمنة وهي تتعامل مع زوجها وأبنائها. وكم من المرات دَعَتها جارتها لحضور الاجتماعات في الكنيسة، وكانت ترفض الذهاب معها.
وها هي اليوم ترقد في فراش المرض؛ فذهبت الأخت المؤمنة إليها مرة أخرى لتقدِّم لها رسالة الإنجيل، وجلست بجوارها وفتحت كتابها وقرأت لها من الإنجيل أخبارًا سارة: أنه ما زال هناك أمل لها فى حياة جديدة سعيدة مع المسيح، وأنه يمكنها أن تصلي صلاة التوبة وتحصل على غفران لخطاياها التى صنعتها في حياتها ويكون المسيح مخلِّصًا لها. ولكنها للأسف رفضت ولم تقبَل كلمات جارتها المُحِبة.
ظلت تزورها يومًا بعد يوم، ولكنها كانت تزداد قسوة مع زيادة آلام المرض عليها وتدهور حالتها.
وفي أيامها الأخيرة كان أهلها من حولها يسمعونها تصرخ وهي راقدة على السرير: “إني أشم رائحة دخان.. لماذا الغرفة مظلمة؟! إن الجو حار جدًّا!”
ولكن الأصعب كانت تلك الكلمات التي ختمت بها حياتها والتي نطقت بها قُبيل لحظات من موتها، فقد نظرت أمامها مباشرة وصرخت وهي مرتعبة: “اسقيني يا شيطان!”
فلعلها رأت أمامها الشيطان وهي واقفة في الهاوية تحترق من الحرارة، من لهيب النار، فصرخت: “اسقيني يا شيطان!” ثم ماتت. غير أنها لم تكن تعلم أن هذه الطلبة هي أبعد ما يكون عن أن تتحقق.
هذه الطلبة سبق وطلبها الغني: «فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه. فنادى: يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء ويبرِّد لساني لأني مُعذَّب في هذا اللهيب» (لوقا16: 23، 24).
لقد كان الغني يشعر بشدة حرارة النيران من حوله، لذلك كان يتمنى أن يتناول قطرة مياه، حتى لو كانت من يد لعازر الفقير الذي كان لا يقدر أن يشم رائحته من بعيد وهو بَعدُ على الأرض عائشًا في نعيمه.
واسمح لي صديق أن أعلق على هذه القصة الواقعية بقليل من الأفكار:
طلبة فات أوانها
يظل الإنسان في غبائه يبحث طول حياته على مياه تروي ظمأه، فيفتِّش في ملذات العالم وشهواته، وفي النهاية يدرك أنه ما زال عطشانًا. بل إنه يبحث عن مياه مسروقة حتى يجد فيها اللذة: «المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ» (أمثال9: 17). ولكنه سرعان ما يعود لعطشه وجوعه مرة أخرى: «أجاب يسوع وقال لها: كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 13)، ولا يطلب المياه الحقيقية إلا بعد فوات الأوان.
الشيطان لا يُعطي
أكثر ما لفت نظري في هذه القصة هو صرخة هذه السيدة وطلبها الماء من الشيطان، غير عالمة أن الشيطان لا يعطي مطلقًا! وحتى لو أعطى القليل، فإنه يأخذ في مقابله الكثير جدًّا. فلقد شبَّهه الرب يسوع بالسارق: «السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل» (يوحنا10: 10).
المسيح هو مروي العطاش
قال المسيح للسامرية في حديثه معها: «ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يوحنا4: 14).
ففي المسيح تجد الارتواء الحقيقي، ولا تحتاج معه إلى البحث في أمور عالمية فانية لا تروي.
ولا تنسَ أن المسيح - له كل المجد - لكي يعطيك ماء الحياة مجانًا، عطش هو على الصليب، بل وقدَّم العالم له الخل بدلاً من الماء: «ويجعلون في طعامي علقمًا وفي عطشي يسقونني خلاًّ» (مزمور69: 21).
فتعالَ، صديقي، بعدما تعبت من التفتيش على ماء يرويك في الإنترنت أو في التلفاز أو في العلاقات أو في الأصدقاء! هيا وارتمي على المسيح بكل تعبك، واعترف له باحتياجك له، ليرويك من ماء الحياة، فتستطيع أن تترنم مع السامرية:
إلى بئر السامرة جئت وحدي؛ لأملأ جراري مياه
وعندها التقيتُ ربي، ففاض في قلبي ماءُ الحياة
فِض في قلبي واملا حياتي؛ إذ فراغ العالم رهيب
أنت المن النازل من السماء، فاملأن واشبعن قلبي السكيب!